فمن قال: لا يلزم بمجرد الحكم، كان لكل واحد منهما الخيار ما لم يتراضيا به بعد حكمه فإذا تراضيا في ذلك الوقت لزم حكمه، وهو الأقوى عندي، لأن عليه إجماعا.
ومن قال: يلزم بمجرد حكمه، فعلى هذا إذا شرع فيه وقبل أن يكمله فهل لأحدهما الامتناع منه قبل إكماله؟ قال بعضهم: له الامتناع، لأنه امتنع قبل حكمه، وقال آخرون: ليس له الامتناع كالحاكم، ولأنه يفضي إلى أن لا يصح هذا، فإنه متى علم أحدهما أنه يحكم بما لا يؤثره امتنع وانصرف.
فإذا ثبت أنه سائغ جائز ففي الناس من قال: يجوز في كل الأحكام إلا أربعة النكاح والقذف واللعان والقصاص، لأن لهذه الأحكام مزية على غيرها فلم يملك النظر فيها إلا الإمام أو من إليه النظر، وقال آخرون: يصح في الكل لأن كل من كان له أن يحكم في غير الأربعة جاز فيها كالمولى، وعموم الأخبار تقتضي ذلك.
إذا ترافع إلى القاضي خصمان فادعى أحدهما على صاحبه حقا فأنكر، وعلم الحاكم صدق ما يدعيه المدعي، مثل أن كان عليه دين يعلمه الحاكم أو قصاص ونحو ذلك فهل له أن يقضي بعلمه أم لا؟ قال قوم: لا يقضي بعلمه، وقال آخرون:
له أن يحكم بعلمه، وفيه خلاف، ولا خلاف أنه يقضي بعلمه في الجرح والتعديل، بدليل أنه لو علم الجرح وشهدوا عنده ترك الشهادة وعمل بعلمه، ولأنه لو لم يقض بعلمه أفضي إلى إيقاف الأحكام أو فسق الحكام.
لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلاف الزوج وتسليمها إليه فسق، وإن لم يكن يحكم له وقف الحكم، وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد، وإذا غصب من رجل ماله ثم جحد يفضي إلى ما قلناه.
والذي يقتضيه مذهبنا ورواياتنا أن للإمام أن يحكم بعلمه، وأما من عداه من الحاكم فالأظهر أن لهم أن يحكموا بعلمهم، وقد روي في بعضها أنه ليس أن يحكم بعلمه لما فيه من التهمة.