لهما ذلك، لأنهما قد نهيا عن الابتداء بالكلام حتى يأذن لهما فيه، وإن سكت ولم يقل شيئا حتى يكون الابتداء منهما بالكلام جاز لأنهما للكلام حضرا.
ولا يقول لواحد منهما: تكلم، لأنه إذا أفرده بالخطاب كسر قلب الآخر، ومتى بدأ أحدهما بالكلام بإذن أو بغير إذن وجعل يدعي على صاحبه، منع صاحبه عن مداخلته لأنه يفسد عليه نظام الدعوى.
وأقل ما على الحاكم أن يمنع كل واحد منهما أن ينال من عرض صاحبه، لأنه جلس للفصل بين الناس والإنصاف، وأقل ما عليه أن لا يمكن أحدهما من الظلم والحيف.
ولا يجوز له أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه إما أن يضيفهما معا أو يدعهما معا، لما روي أن رجلا نزل بعلي عليه السلام فأدلى بخصومته فقال له علي:
ألك خصم؟ فقال: نعم، قال تحول عنا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه.
والقاضي بين المسلمين والعامل عليهم يحرم على كل واحد منهم الرشوة، لما روي أن النبي عليه السلام قال: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم، وهو حرام على المرتشي بكل حال، وأما الراشي فإن كان قد رشاه على تغيير حكم أو إيقافه فهو حرام، وإن كان لإجرائه على واجبه لم يحرم عليه أن يرشوه كذلك لأنه يستنقذ ماله فيحل ذلك له، ويحرم على آخذه لأنه يأخذ الرزق من بيت المال، وإن لم يكن له رزق قال لهما: لست أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقا عليه، حل ذلك له حينئذ عند قوم، وعندنا لا يجوز بحال.
فأما الهدية فإن لم تكن بمهاداته عادة حرم عليه قبولها، والعامل على الصدقات كذلك، لما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: هدية العمال غلول، وفي بعضها هدية العمال سحت.
وروى أبو حميد الساعدي قال: استعمل النبي عليه السلام رجلا من الأسد يقال له أبو البنية - وفي بعضها أبو الأبنية - على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا