وإن قال: الحجة حكم حاكم به عليه، فالحكم به كالإقرار به، إن أقامت البينة عنده بأن حاكما حكم به عليه أمضاه، وحكم به عليه، لأنها شهادة عنده على فعل غيره، وإن لم يكن له بينة لكنه علم أن حاكما غيره حكم به عليه فهل يقضي بعلمه بذلك أم لا؟ على قولين.
وإن قال: أنت حكمت به لي عليه، فإن ذكر الحاكم ذلك أمضاه، وليس هذا من القضاء بعلمه لكنه إمضاء قضاء قضى به بعلمه، وحكم قد كان حكم به قبل هذا فتذكره الآن فأمضاه، وإن لم يذكره فقامت البينة عنده أنه قد كان حكم به لم يقبل الشهادة على فعل نفسه عندنا وعند جماعة، وقال قوم: يسمع الشهادة على فعل نفسه ويمضيه، والأول أقوى لأنه لو شهد بشئ ثم نسيه فقامت البينة عنده أنه شهد به لم يشهد بذلك ما لم يذكره، ولا يرجع إلى قول غيره في شهادة نفسه، كذلك في الحكم.
فإذا ثبت هذا فالحاكم إذا لحقه مثل هذا لا يمضيه لأنه لا يعلمه، ولا ينقضه لجواز أن يكون حكم، بل يؤخره حتى يذكر، فإن مات أو عزل فقامت البينة عند غيره بأنه حكم به أمضاه الغير لأنها شهادة على حكم غيره، وأما إن علم أنهما شهدا بالزور قطعا إن أمكن ذلك أبطله ونقضه، فإن كان مات أو عزل فشهد به شاهدان عند حاكم غيره لم يكن له أن يمضيه، وقال بعضهم: بل يقبله ويعمل عليه، والأول أقوى لأن الحاكم كشاهد الأصل، والشهادة بحكمه كشاهد الفرع، ثم ثبت أن شاهد الفرع لا تقبل شهادته على شهادة الأصل، إذا كان الأصل منكرا للشهادة فكذلك هاهنا.
فصل: في كتاب قاض إلى قاض:
روى أصحابنا أنه لا يقبل كتاب قاض إلى قاض ولا يعمل به، وأجاز المخالفون ذلك، قالوا: يقبل كتاب قاض إلى قاض وإلى الأمين وكتاب الأمين إلى القاضي والأمين لقوله تعالى فيه قصة سليمان وبلقيس: " قالت يا أيها الملأ إني