المال أو المقصود منه المال من حقوق الآدميين، لم ينقض حكمه لأن الحكم قد نفذ، وإن كان حقا لله كحد الزنى والسرقة وشرب الخمر، لم يستوفه، لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وحدوث الفسق شبهة، ويفارق المال لأن المال لا يسقط بالشبهة، وإن كان حد قذف أو قصاص استوفي عندنا، لأنه حق لآدمي كالمال، وقال قوم: لا يستوفى لأنه حد كحد الزنى.
إذا صار الرجل ممن تحل له الصدقة، حلت له المسألة، وإذا سأل وأخذ لم ترد شهادته، لأنه محتاج، وليس فيه سقوط مروءة فإن كان طول عمره أو أكثره يسأل الناس وهو غني بغير ضرورة ولا معنى من المعاني، ويشكو الحاجة ويأخذ، ردت شهادته لأنه أكثر الكذب وأخذ حراما، ولو كان هذا منه دفعات ردت شهادته.
فأما إذا أعطي من غير مسألة نظرت: فإن كان صدقة تطوع حلت له غنيا كان أو فقيرا فلا ترد شهادته، لأنه أخذ حلالا، وإن كانت صدقة فرض فإن كان فقيرا وأخذ قدر ما يجوز له الأخذ لم ترد شهادته، وإن كان غنيا فإن كان جاهلا بتحريمها مثل أن كان قريب عهد بالإسلام أو من جفاة العرب، لم ترد شهادته، لأنه لم يقدم على معصية مع العلم بها، وإن كان عالما ردت شهادته، لأنه أخذ مالا يحل له، فهو كالغاصب.
فصل: في الرجوع عن الشهادة:
إذا شهد الشهود عند الحاكم بحق فعرف عدالتهم، ثم رجعوا لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يرجعوا قبل الحكم، أو بعده وقبل القبض، أو بعد الحكم والقبض معا.
فإن رجعوا قبل الحكم لم يحكم بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه قال: يحكم به، والأول أصح.
وإن رجعوا بعد الحكم وقبل القبض نظرت: فإن كان الحق حدا لله كالزنا والسرقة وشرب الخمر، لم يحكم بها لأنها حدود تدرأ بالشبهات، ورجوعهم