وشرف الرحيل، يكثر شغله وتزدحم حوائجه، فلهذا قدم، فأما إن كانوا مثل المقيمين أو أكثر كأيام الموسم بمكة والمدينة كانوا والمقيمون سواء، لأن في تقديمهم إضرارا بأهل البلد، وفي تأخيرهم إضرارا بهم، فكانوا سواء فصاروا كما لو كانوا كلهم مقيمين.
قد ذكرنا أن الحاكم يجلس للقضاء في موضع بارز للناس في رحبة أو صحراء أو موضع واسع، إلا من ضرورة من مطر أو غيره فيجلس في بيته أو في المسجد.
وذكرنا أنه إذا أراد أن يجلس في مجلسه للقضاء قدم إليه ثقة من عنده ليحفظ من جاء أولا ويضبط: قد جاء فلان أولا ثم فلان ثم فلان، على هذا أبدا، فإذا حضر الحاكم قدم، الأول فالأول لأنه لا يمكنه أن يحكم بين الكل دفعة واحدة ولا بد أن يقدم واحدا واحدا، ولا يمكن أن يقدم واحدا لموضعه في نفسه، ولا لأجل حكومته، فلم يبق إلا أنه يعتبر السابق فيكون الحق له، كما قلنا في مقاعد الطرقات والأسواق والماء والمصانع والمعادن ونحوها، فإنه يقدم السابق منهم إليها فالسابق، قال صلى الله عليه وآله: مني مباح من سبق، فجعل السابق أحق، هذا إذا جاؤوا واحدا بعد واحد.
فأما إن جاؤوا معا نظرت: فإن كان العدد قليلا يمكن الإقراع بينهم، أقرع بينهم فمن خرجت قرعته قدمناه، وإن كثروا أو تعذرت القرعة، كتب الحاكم أسماءهم في رقاع وجعلها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة بعد رقعة كما يتفق لأن القرعة قد تعذرت.
فإذا قدم رجلا بالسبق أو القرعة أو بالرقعة حكم بينه وبين خصمه، فإذا فرع صرفه فقال: قم حتى يتقدم من بعدك، فإن قال الأول: فلي حكومة أخرى، لم يلتفت إليه وقال: قد حكمت بينك وبين خصمك بحكومة فإما أن تنصرف أو تصبر حتى أفرع من الناس، لأنه لو قضي بينه وبين كل من يخاصمه أفضي إلى أن يستغرق المجلس لنفسه، فلهذا لا يزاد على واحدة.
فإذا تقدم غيره فإن شاء ادعى على المدعى عليه أولا، وإن شاء على المدعي الأول، وإن شاء ادعى المدعى عليه أولا على المدعي الأول فإنه يحكم بينهما، لأنا