أهدي لي، فقام النبي عليه السلام على المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه على أعمالنا يقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، فهلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمة ينظر يهدي له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تنعر، ثم رفع يده حتى رأينا عقرة إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت.
فإن قيل: أليس قد قال النبي عليه السلام: لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت؟ قلنا: الفصل بينه وبين أمته أنه معصوم عن تغيير حكم بهدية، وهذا معدوم في غيره، هذا إذا أهدي له من لم يجر له بمهاداته عادة.
فأما إن كان ممن جرت عادته بذلك، كالقريب والصديق الملاطف نظرت: فإن كان في حال حكومة بينه وبين غيره أو أحس بأنه يقدمها لحكومة بين يديه حرم عليه الأخذ كالرشوة سواء، وإن لم يكن هناك شئ من هذا فالمستحب أن يتنزه عنها، هذا كله إذا كان الحاكم في موضع ولايته.
فأما إن حصل في غير موضع ولايته فأهدي له هدية فالمستحب له أن لا يقبلها، وقال بعضهم: يحرم عليه.
فكل موضع قلنا: لا يحرم عليه قبولها، فلا كلام، وكل موضع قلنا: يحرم عليه، فإن خالف وقبل فما الذي يصنع؟ فإن كان عامل الصدقات، قال قوم: يجب عليه ردها، وقال آخرون: يجوز أن يتصدق عليه بها، والأول أحوط.
وأما هدية القاضي قال قوم: يضعها في بيت المال لتصرف في المصالح، وقال آخرون: يردها على أصحابها، وهو الأحوط عندنا.
إذا حضره مسافرون ومقيمون نظرت: فإن سبق المسافرون قدمهم لأنه لما قدم السابق فالسابق من أهل البلد فكذلك المسافر بل هو أولى، وإن وافوا معا أو تأخر المسافرون، فإن كان بهم قلة من حيث لا يضر تقديمهم بأهل البلد، فهو بالخيار بين أن يقدمهم أو يفرد لهم يوما يفرع من حكوماتهم فيه، لأن المسافر على جناح السفر