إنما نعتبر الأول فالأول في المدعي وأما في المدعى عليه فلا.
فإذا فرع وبقى هناك واحد نظر بينه وبين خصمه، فإن كان له حكومات كثيرة نظر فيها كلها لأنه لا مزاحم له فيها، اللهم إلا أن يكون الأول قد جلس صابرا حتى يفرع من الناس، فحينئذ إذا حكم بين الأخير وبين خصمه حكومة واحدة، قدم الأول لأنه لهذا جلس.
فإن حضر نفسان فادعى أحدهما على صاحبه، فقال المدعى عليه: أنا المدعي وهو المدعى عليه، لم يلتفت الحاكم إليه، وقال له: أجب عن دعواه فإذا فرع من حكومتك وكان لك كلام أو دعوى فاذكر.
فإن حضرا معا وادعيا معا كل واحد على صاحبه من غير أن يسبق أحدهما، فالذي رواه أصحابنا أنه يقدم من يكون على يمين صاحبه، وقال قوم: يقرع بينهما، ومنهم من قال: يقدم الحاكم من شاء، ومنهم من قال: يصرفهما حتى يصطلحا، ومنهم من قال: يستحلف كل واحد منهما لصاحبه، وبعد ما رويناه القرعة أولى.
وإن كان لجماعة على رجل حقوق من جنس واحد أو أجناس، فوكلوا من ينوب عنهم في الخصومة فادعى الوكيل عليه الحقوق، فإن اعترف فلا كلام، وإن أنكر وكانت هناك بينة حكم عليه بها، وإن لم يكن بينة فالقول قوله مع يمينه.
فإذا أراد كل واحد من الجماعة أن يستحلفه على الانفراد كان له لأن اليمين حق له، فكان له أن ينفرد باستيفائه، وإن قالت الجماعة: قد رضينا منه بيمين واحدة عن الكل لكنا، قال قوم: يستحلفه لأنه لما صح أن تثبت الحقوق عليه بالبينة الواحدة صح أن تسقط الدعوى باليمين الواحدة، وقال آخرون: لا يجوز أن يقصر الحاكم منه على يمين واحدة، بل يستحلفه لكل واحد منهم يمينا لأنها حقوق الآدميين، ولا يراد الزجر والردع فكان اليمين لكل واحد أبلغ في الزجر والردع، والأول أقوى عندنا لأن اليمين حق لهم فإذا رضوا بيمين واحدة فينبغي أن يكتفى بها.
إذا استعدى رجل عند الحاكم على رجل لم يخل المستعدى عليه من أحد أمرين: إما أن يكون حاضرا أو غائبا.