و " الغسل " جريان الماء أو كالجريان فقد رخص عند عوز الماء مثل الدهن، واختلفوا في حد الوجه الذي يجب غسله: فحده عندنا من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، وما دخل بين الإبهام والوسطى عرضا، وما خرج عن ذلك فلا يجب غسله، وما نزل من المحادر لا يجب غسله. والدليل عليه من القرآن جملة قوله: وما آتاكم الرسول فخذوه، وقد بينها ع.
وأما ما غطاه الشعر - كالذقن والصدغين - فإن إمرار الماء على ما علا عليه من الشعر، يجزئ من غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، والذي يدل على صحته أن ما ذكرناه مجمع على أنه من الوجه، ومن ادعى الزيادة فعليه الدلالة، ولا دليل شرعا لمن خالفنا فيه. وقال عبد الجبار: لو خلينا والظاهر لكان بعد نبات اللحية يجب إيصال الماء إلى البشرة التي هي تحتها كما يلزم ذلك من لا لحية له إلا أن الدلالة قامت على زوال وجوب ذلك بستر اللحية، والآية تدل عليه لأن إفاضة الماء على ما يقابل هذه البشرة وما سقط من اللحية عن الوجه فلا يلزم فيه على وجه. وإن نبت للمرأة لحية فكمثل الرجل.
وكل مسألة شرعية لها شعب ووجوه فإذا سألك عنها سائل فتثبت في الجواب فلا تجبه بلا أو بنعم على العجلة، وتصفح حال المستفتي فإن كان عاميا يطلب الجواب ليعمل به ويعول عليه فاستفسره عن الذي يقصده ويريد الجواب عنه، فإذا عرفت ما يريده بعينه أجبته عنه ولا تتجاوز إلى غيره من الوجوه فليس مقصود هذا السائل إلا الوجه الذي يريد بيان حكمه ليعمل به، وإذا كان السائل معاندا يريد الإعنات تستفسره أيضا عن الوجه الذي يريد من المسألة، فإذا ذكره أفتيته عنه بعينه ولا تتجاوز إلى غيره أيضا، فليس مقصوده طلب الفائدة وإنما هو يطلب المعاندة فضيق عليه سبيل العناد، وإن كان السائل مستفيدا يطلب بيان وجوه المسألة والجواب عن كل وجه ليعلمه ويستفيده فأوضح له الوجوه كلها واجعل الكلام منقسما لئلا يذهب شئ من بابه. وهذا لعمري استظهار للعالم في جميع العلوم إن شاء الله تعالى.