فصل:
وقوله: وأيديكم إلى المرافق، عطف على " وجوهكم "، فالواجب غسلهما، ويجب عندنا غسل الأيدي من المرافق، وغسل المرافق معهما إلى رؤوس الأصابع ولا يجوز غسلها من الأصابع إلى المرافق إلا عند الضرورة فقد قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج.
و " إلى " في الآية بمعنى مع، كقوله: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم. وإنما قلنا ذلك لأن " إلى " قد تكون بمعنى الغاية وقد تكون بمعنى " مع " حقيقة فيهما، ولا خلاف بين أهل اللسان أن كل لفظة مشتركة بين معنيين أو معان كثيرة إنما يتميز بعضها دون بعض بما يقترن إليها من القرائن، فإذا صح اشتراك لفظة " إلى " في معنى الغاية ومعنى " مع " حقيقة - لا استعارة ومجازا - وانضاف إلى واحد منهما وهو ما ذكرناه إجماع الطائفة ثبت ما أردناه من وجوب ابتداء غسل الأيدي من المرافق وغسلها معها إلى رؤوس الأصابع.
وقد قال جماعة من الخاصة والعامة إن حمل " إلى " في هذا الموضع على معنى مع أولى من حمله على معنى الغاية لأنه أعم وفيه زيادة في فائدة الخطاب واحتياط في الطهارة واستظهار بدخول المرافق في الوضوء، وفي معنى الغاية اسقاط الفائدة وترك الاحتياط وإبطال سائر ما ذكرناه، ويؤكد ذلك قراءة أهل البيت ع " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق ".
على أن المرتضى رضي الله عنه قال: إن الابتداء في غسل اليدين للوضوء من المرافق والانتهاء إلى أطراف الأصابع، الأولى أن يكون مسنونا ومندوبا إليه لا أن يكون فرضا حتما.
والفقهاء يقولون: هو مخير بين الابتداء بالأصابع وبين الابتداء بالمرافق.
وقال الزجاج: لو كان المراد بإلي " مع " لوجب غسل اليد إلى الكتف لتناول الاسم له.
قال: وإنما المراد بإلي الغاية والانتهاء، لكن المرافق يجب غسلها مع اليدين، وهذا الذي ذكره ليس بصحيح لأنا لو خلينا وذلك لقلنا بما قاله، لكن أخرجناه بدليل، وهو إجماع الأمة على أن من بدأ من المرافق كان وضوؤه صحيحا، وإذا جعلت غاية ففيه الخلاف.
واختلف أهل التأويل في ذلك: فقال مالك بن أنس: يجب غسل اليدين إلى المرفقين