الجمع بين الطوائف الثلاث وقد عرفت أن مفاد الطائفة الأولى كون أدنى المسافة ثمانية فراسخ، ومفاد الطائفة الثانية كون أدناها أربعة، ومفاد الطائفة الثالثة أن الأربعة توجب القصر إذا تعقبها الرجوع لا مطلقا.
ولو لا هذه الطائفة كان التعارض بين الأوليين مستقرا، ولكن الطائفة الثالثة بمنزلة المفسر لهما، إذ بملاحظتها يظهر أن المراد بالثمانية في الطائفة الأولى أعم من الامتدادية والتلفيقية أو أن التلفيقية أيضا بحكم الامتدادية، وأن المراد بالأربعة في الطائفة الثانية ليس مطلق الأربعة، بل الأربعة التي يتعقبها الرجوع حتى يحصل بضمه إلى الذهاب ثمانية فراسخ، وإنما ذكر الأربعة لبيان أقل البعد والامتداد المعتبر بين المبدأ والمقصد لا لبيان كفايتها بنفسها في إيجاب القصر وإن لم يتعقبها الرجوع.
وهذا جمع عرفي يرتفع به التهافت بين الطائفتين.
وربما يجمع بينهما أيضا بأن الثمانية علة لوجوب القصر تعيينا، والأربعة علة لثبوته تخييرا بينه وبين الإتمام.
ويرد عليه مضافا إلى أنه لا شاهد له، أنه مخالف لظاهر أخبار الأربعة، لظهورها في كون الأربعة علة لوجوب القصر لا لجوازه.
وكيف كان فمقتضى الجمع العرفي بين الطوائف الثلاث بعد ملاحظة الجميع هو الالتزام بكون المسافة الموجبة للقصر عبارة عن الثمانية، سواء كانت امتدادية أم حصلت بالتلفيق من دون أن يكون بينهما فرق في إيجاب القصر. (1) فهذا إجمالا مما لا إشكال فيه، ولكن المهم هو البحث في مقامين: