وكانت بمرآهم ومع ذلك لم يفتوا بمضمونها، بل تسالموا في الامتدادية على عدم اعتبار أن يكون طيها في يوم واحد وفي التلفيقية على اعتبار ذلك. فيعلم بذلك عدم اعتنائهم بما هو ظاهر أخبار عرفات.
ولنا أن نستكشف من هذا التسالم - مع ظهور الأدلة في خلافه - وجود نص معتبر واصل إليهم يدا بيد من الأئمة (عليهم السلام)، غاية الأمر عدم ضبطه في الجوامع التي بأيدينا. وقد عرفت من سابقا أن أخبارنا - معاشر الإمامية - لم تكن مقصورة على ما في الجوامع التي بأيدينا، بل كان كثير منها موجودة في الجوامع الأولية ولم يذكرها المشايخ الثلاثة في جوامعهم. كيف! وبناء القدماء من أصحابنا كان على العمل بالمنصوصات فقط، وقد أفتوا باعتبار الرجوع لليوم في السفر التلفيقي في كتبهم المعدة لنقل خصوص المسائل المنصوصة والمتلقاة عن الأئمة (عليهم السلام)، كالهداية والمقنعة والنهاية والمراسم ونحوها.
فهذا التسالم منهم من أقوى الأمارات على وجود نص في المسألة وإن لم يصل إلينا. وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من كونه سببا لوهن ما يدل على عدم الاعتبار، كأخبار عرفات ونحوها، إذ عمدة ما يدل على حجية الخبر هي السيرة وبناء العقلاء، وليس بناؤهم على العمل بمثل تلك الروايات التي رواها الأصحاب في كتبهم كانت بمرآهم ومع ذلك أعرضوا عنها ولم يفتوا بمضمونها.
ويؤيد ما ذكرناه - من استكشاف وجود النص في المسألة - ما في الفقه الرضوي، حيث قال: " فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت، لأن ذهابك ومجيئك بريدان. (إلى أن قال:) وإن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار؛ فإن شئت أتممت وإن شئت قصرت ". (1)