ولكن الإنصاف أن ظاهر الحديث كون الاعتبار بالسير، وكون المعتبر شاغليته لليوم فعلا، فيجب أن يؤخذ بظاهره ويراد بالشاغل في الكبرى المطوية أيضا ذلك، إذ المقدر تابع للمذكور، ولا نسلم كون كلامه (عليه السلام) ناظرا إلى مسيرة اليوم الواردة في بعض أخبار الثمانية، وإن أصر عليه في الجواهر والمصباح، (1) إذ مضافا إلى أن هذا القول رجم بالغيب يرد عليه أن المراد بمسيرة اليوم المذكورة في تلك الأخبار أمارة للبريدين هو مقدار سير القوافل والأثقال المتعارفة لأسير هذا المسافر الخاص، والأمر فيما نحن فيه بالعكس، حيث إن إضافة كلمة اليوم إلى ضمير الشخص تدل على أن المعتبر في المقام شغل يوم هذا الشخص لا مقدار سير القوافل والأثقال المتعارفة.
فإن قلت: جواب الإمام (عليه السلام) كما عرفت إنما هو لرفع استبعاد محمد بن مسلم استعجابه، فيجب أن يكون صغرى لكبرى معلومة للمستعجب مع قطع النظر عن هذا الجواب، وليست إلا ما اشتهر وارتكز في ذهنه من تحديد المسافة بمسيرة اليوم. فمفاد هذه الرواية مفاد صحيحة زرارة الحاكية لسفر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذباب، حيث قال: " وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ. " محط النظر في كليهما بيان اعتبار أصل الرجوع في البريد وأنه بالرجوع يصير من مصاديق الحد المقرر المعروف من البريدين ومسيرة اليوم.
قلت: لا نسلم كون الإمام (عليه السلام) بصدد إحالة ابن مسلم وإرجاعه إلى الكبرى المرتكزة في ذهنه، بل لعله بصدد بيان اشتباهه في تخيل كون ملاك القصر منحصرا في البريدين. فمحصل جوابه (عليه السلام) أن للقصر موجبا آخر سوى البريدين، وهو كون سير المسافر شاغلا ليومه فعلا، وأن البريد بضم الرجوع إليه يصير مصداقا لهذا