ويمكن أن يقال: إن سفره (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عرفات في حجة الوداع وإن كان امتداديا لكن كان معه في هذا السفر لا محالة كثير من أهل مكة، ولعلهم قصروا لأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم بالتقصير. فمعنى قوله (عليه السلام): " كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقصروا " أنهم لم يحجوا معه فقصروا امتثالا لأمره لا تأسيا به واتباعا لما فعله من القصر.
هذه غاية ما يمكن أن يقال في أخبار عرفات. ولكن الإنصاف دلالتها على عدم اعتبار كون الرجوع ليومه بعد القول بدخالة أصل الرجوع بسبب ضمها إلى أخبار التلفيق. هذا.
وأما ما رواه الكليني بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) من قصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى ثلاثا وتأسي أبي بكر وعمر به، ومخالفة عثمان لذلك أثناء خلافته، أمره عليا (عليه السلام) أيضا بالإتمام ليشد بذلك بدعته... (1) فلا يرتبط بالمقام، لما عرفت من عدم كون سفره (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع تلفيقيا. فمحط النظر فيه رد العامة القائلين بعدم تحتم القصر في السفر وجواز الإتمام فيه، احتجاجا عليهم بقصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء بعده في الموقف العمومي بمحضر الناس ومشهدهم.
وقد يستدل أيضا على عدم اعتبار كون الرجوع لليوم بما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة، ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام. وكيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: " إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير، لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك. " قال: