من مقرهم إلى عرفات ثمانية فراسخ، فلا يكون سفرهم تلفيقيا. وهذا الاحتمال و إن كان مخالفا لظاهر الروايات لكن يقربها كون الإتمام فيها معلقا على دخول المنازل، إذ لو كان المراد سكان نفس البلد لم يصح تعليق الإتمام على زيارة البيت دخول المنازل، بل وجب الإتمام بمحض الوصول إلى حد ترخص البلد. اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار حد الترخص، وبقاء القصر إلى أن يصل المسافر إلى منزله كما اختاره ابن بابويه، أو يقال بأن المراد بدخولهم في منازلهم وصولهم إلى مكة، فيكون قوله: " دخلوا منازلهم " مساوقا لقوله: " زاروا البيت "، ويكون أحدهما تأكيدا للآخر. وبالجملة المحتملات في الروايات ثلاثة، وعلى الأول لا يثبت كون السفر تلفيقيا. هذا، ولكن الإنصاف بعد هذا الاحتمال، فتدبر. (1) وأما الرواية الثالثة لمعاوية (الخامسة مما ذكر)، وكذا مرسلة المفيد المشتملتان على قوله: " وأي سفر أشد منه " فيمكن أن يقال: إنه لا يصح أن يحمل أهل مكة أو القوم فيهما على جماعة المخالفين، إذ المشهور بينهم عدم تحتم القصر وجواز الإتمام في جميع الأسفار، كما عرفت، ولا يفرقون في ذلك بين السفر الشديد وغيره. فلو كان المراد بأهل مكة أو القوم هؤلاء لم يكن معنى لقوله (عليه السلام) في مقام العتاب: " وأي سفر أشد منه ". فالمراد بأهل مكة أو القوم فيهما شيعتهم (عليهم السلام) الساكنون بمكة. حينئذ فنقول: من المحتمل أن الثابت في حق من سافر بريدا ولم يرجع ليومه كان هو التخيير بين القصر والإتمام، كما نسب إلى المشهور، وأن الشيعة كانوا يلتزمون في مقام العمل بالإتمام، فصار الإمام (عليه السلام) بصدد بيان ما هو الأسهل، إرفاقا بهم وترحما عليهم، لا للردع عن الإتمام. نعم، لو كان اللفظ الصادر عنه (عليه السلام) كلمة الويل كانت ظاهرة في العتاب والردع، ولكن لم يثبت ذلك، فلعل الصادر عنه كلمة الويح الدالة على
(١٢١)