الترحم، ويشهد بذلك ترديد الراوي في رواية معاوية، فافهم.
وأما رواية إسحاق بن عمار فيقع الإشكال فيها لقوله (عليه السلام): " كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقصروا. " إذ حجه الذي كان مع الناس هو حجة الوداع، وقد أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينادى للحج، ليخرج الناس معه ويتعلموا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) مناسك الحج، فاجتمع الناس حوله وخرجوا معه من المدينة بقصد الحج. فسفره هذا لم يكن تلفيقيا، بل أنشأه من المدينة واستمر سفره حتى ذهب إلى عرفات.
فلا يتم الاستشهاد بفعله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل مكة إذا خرجوا حجاجا، إلا إذا ثبت انقطاع سفره من المدينة بإقامة العشر في مكة، أو بكونها وطنا له أو في حكم الوطن.
والأول باطل قطعا، فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج من المدينة لحجة الوداع في أربع بقين من ذي القعدة، ودخل مكة في أربع أو خمس مضت من ذي الحجة، وبعد ما أتم المناسك بمنى خرج منه قاصدا للمدينة في الثالث عشر من ذي الحجة، وبقي بالأبطح برهة من الزمان ثم ذهب إلى المدينة (1). فلم يتحقق منه الإقامة في مكة أصلا.
وأما كون مكة وطنا له فغاية تقريبه أن يقال: إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان من أهلها أولا ولم يثبت إعراضه عنها، أو يقال بأنه وإن أعرض لكن يثبت حكم الوطن لمن كان ذا ملك، ولعله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مالكا فيها.
وفيه أن الظاهر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عنها بالهجرة. وينافي كونه مالكا فيها ما روي أن عقيلا عمد إلى دور بني هاشم في مكة فباعها بعد أن هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال له أسامة بن زيد يوم الفتح: أتنزل غدا في دارك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): وهل ترك لنا عقيل من دار. (2) هذا.