بطبيعة كالصلاة ثم امر بالعمل بقول الثقة أو أجاز المأمور بالعمل به يكون لازمه الأمر أو الإجازة بإتيان المأمور به على طبق ما أدى إليه قول الثقة ولازم ذلك هو الاجزاء ففي مثل قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل» يكون امر بصلاتين إلى غسق الليل لا غير فإذا امر بالعمل على قول الثقة فقد امر بإتيان المأمور به بالكيفية التي أدى إليها الأمارة فلا محالة يكون المأتي به مصداقا للمأمور به عنده والا لما امر بإتيانه كذلك فلا محيص عن الاجزاء لتحقق مصداق المأمور به وسقوط الأمر.
ولكنك خبير بان إمضاء طريقة العقلاء ليس الا لأجل تحصيل الواقعيات لمطابقة الأمارات العقلائية نوعا للواقع وضعف احتمال تخلفها عنه وفي مثل ذلك لا وجه لسقوط الأمر إذا تخلف عن الواقع كما ان الأمر كذلك عند العقلاء، والفرض ان الشارع لم يأمر تأسيسا، بل وكذا الحال لو امر الشارع على أمارة تأسيسا وكان لسان الدليل هو التحفظ على الواقع فان العرف لا يفهم منه الا تحصيل الواقع لا تبديله بمؤدى الأمارة، وأنت إذا راجعت الأدلة المستدل بها على حجية خبر الثقة لترى ان مفادها ليس الا إيجاب العمل به لأجل الوصول إلى الواقعيات كالآيات على فرض دلالتها وكالروايات، فإنها تنادي بأعلى صوتها ان إيجاب العمل على قول الثقة انما هو لكونه ثقة وغير كاذب وانه موصل إلى الواقع، وفي مثله لا يفهم العرف ان الشارع يتصرف في الواقعيات على نحو أداء الأمارة.
هذا مع ان احتمال التأسيس في باب الأمارات العقلائية مجرد فرض والا فالناظر فيها يقطع بان الشارع لم يكن في مقام تأسيس وتحكيم بل في مقام إرشاد وإمضاء ما لدى العقلاء، والضرورة قاضية بان العقلاء لا يعملون على طبقها الا لتحصيل الواقع، وحديث تبديل الواقع بما يكون مؤدى الأمارة مما لا أصل له في طريقتهم، فالقول بالاجزاء فيها ضعيف غايته.
وأضعف منه التفصيل بين تبدل الاجتهاد الأول بالقطع فلا يجزى وبين تبدله باجتهاد آخر فيجزي بدعوى عدم الفرق بين الاجتهادين الظنيين وعدم ترجيح الثاني حتى يبطل الأول وذلك لأن تبدل الاجتهاد لا يمكن الا مع اضمحلال الاجتهاد الأول بالعثور على دليل أقوى أو بالتخطئة للاجتهاد الأول ومعه لا وجه لاعتباره فضلا عن مصادمته للثاني.