وكان فقهاء أصحاب الأئمة يعلمون فتاواهم ويميزون بين ما هو صادر من جراب النورة وغيره ولم يكن الاجتهاد في تلك الأزمنة كزماننا فرجوع الجاهل إلى العالم في تلك الأزمنة كان رجوعا إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني الحاصل من مشافهة الأئمة عليهم السلام وفي زماننا رجوع إلى من عرف الأحكام بالظن الاجتهادي والأمارات ويكون علمه تنزيليا تعبديا لا وجدانيا فرجوع الجاهل في هذه الأعصار إلى علماء الدين وان كان فطريا ولا طريق لهم بها الا ذلك لكن هذا البناء ما لم يكن مشفوعا بالإمضاء، وهذا الارتكاز ما لم يصر ممضى من الشارع لا يجوز العمل على طبقه ولا يكون حجة بين العبد والمولى، ومجرد ارتكازية رجوع كل ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع وكل جاهل إلى العالم لا يوجب الحجية إذا لم يتصل بزمان الشارع حتى يكشف الإمضاء، وليس إمضاء الارتكاز وبناء العقلاء من الأمور اللفظية حتى يتمسك بعمومها أو إطلاقها ولم يرد دليل على إمضاء كل المرتكزات الا ما خرج حتى يتمسك به.
ومن ذلك يعلم عدم جواز التمسك بإرجاع الأئمة عليهم السلام إلى أصحابهم كإرجاع ابن أبي يعفور إلى الثقفي وكالإرجاع إلى زرارة بقوله: إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس مشيرا إليه، وكقوله لا بان بن تغلب: «اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فانى أحب ان يرى في شيعتي مثلك» إلى غير ذلك بدعوى ان إرجاعهم إليهم لم يكن الا لعلمهم بالاحكام وهو مشترك بينهم وبين فقهاء عصرنا فيفهم العرف جواز الرجوع إلى فقهاء عصرنا بإلقاء الخصوصية، وذلك للفرق الواضح بينهم وبين فقهائنا لأن الإرجاع إليهم إرجاع إلى الأحكام الواقعية المعلومة لبطانتهم لسؤالهم مشافهة عنهم وعلمهم بفتاويهم من غير اجتهاد كاجتهاد فقهائنا فمثل زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ممن تلمذ لدى الأئمة عليهم السلام سنين متمادية وأخذ الأحكام منهم مشافهة كان عارفا بنفس فتاوى الأئمة الصادرة لأجل الحكم الواقعي، واما فقهاء عصرنا فيكون علمهم عن اجتهاد بالوظيفة الأعم من الواقعي والظاهري فلا يمكن إلقاء الخصوصية بل يكون القياس بينهما مع الفارق.