وأما ما تضمنت الآية الكريمة من التوجه إلى المسجد الحرام فليس فيه دلالة صريحة على أنه قبلة لاحتمال كون التوجه إليه عين التوجه إلى الكعبة بحيث لا يمكن التفكيك بينهما لمن كان خارجا عن مكة سيما إذا كان في المدينة.
وهذا الاحتمال هو المتعين بعد كون الكعبة بالضرورة قبلة للمسلمين وبعد ورود الروايات الكثيرة على تحويل وجهه إلى الكعبة بل تلك الروايات بمنزلة التفسير للآية الكريمة وبيان المراد منها.
ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي إلى بيت المقدس قال: نعم فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره فقال: أما إذا كان بمكة فلا وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول إلى الكعبة (1) وقريب منها روايات وفي بعضها فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل فقال له قد نرى تقلب وجهك الخ ثم أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله) فحول وجهه إلى الكعبة (2).
فمن راجع روايات الباب لا يبقى له ريب في أن التحول إلى المسجد الحرام لم يكن إلا للتحول إلى الكعبة التي هي القبلة والتوجه إليه عين التوجه إليها لمن خرج عن مكة كما يشهد به الوجدان.
وفي رواية عبد الله بن سنان عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: إن لله عز وجل حرمات ثلاثا ليس مثلهن شئ كتابه وهو حكمته ونوره، وبيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره، وعرة نبيكم (3)، وعن الخصال (4) بالسند المتصل إلى ابن عباس نحوها، وعن البرقي في المحاسن بسنده إلى بشير في حديث سليمان مولى طريال قال ذكرت هذه الأهواء عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا والله ما هم على شئ مما