الأرض لا يكون موافقا في الجهة معه بل لا يصدق حتى توسعا فيما إذا كان البلد نائيا جدا كما لو كان بينه وبين مكة المشرفة تسعون درجة فيكون البلدان في طرفي قطر الأرض فلا يعقل في مثله مواجهة مكة ولا جهتها.
ويمكن أن يجاب بوجه بعد مقدمة وهي أن موضوعات الأحكام إنما تؤخذ من العرف إذا لم تكن قرينة على خلافه وفي المقام وأمثاله مما أمر فيه باستقبال الكعبة والتوجه إلى القبلة التي هي الكعبة بالضرورة قامت القرينة على عدم إرادة المعنى العرفي فإن استقبال الشئ بنظر العرف هو جعل الشئ في قباله وهذا لا يصدق مع حائل في البين مثل جدار ونحوه فمن كان في بيت من البلد لا يكون عرفا في قبال شخص آخر في بيت آخر فلا محالة لا يراد هذا المعنى في مثل قوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (1) بل المراد هو التسامت الحقيقي بين المصلي والكعبة بأن يكون الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه واصلة إليها أو شاملة لها ولو من وراء الأرض وإن لم يطلع المصلي عليه وعلى سره.
ثم إن سر كون الشئ البعيد ولو كان كبيرا عظيما كالجبل مثلا بجميعه في قبال الناظر مع كونه صغيرا بالنسبة إليه جدا هو أن العينين واقعتان في سطح محدب والعدسي الواسط للرؤية أيضا واقع على سطح محدب قريب بالكروي ونفس العدسي أيضا له تحديب ولهذا يخرج الشعاع الواسط للرؤية على شكل مخروطي رأسه عند الناظر وقاعدته منطبعة على الشئ المنظور إليه وكلما امتد النظر صارت القاعدة أكثر سعة.
ولو كان الرؤية بانعكاس صورة المرئي في عين الناظر لكان الأمر كذلك أيضا تقريبا فإن النور الآتي من قبل المرئي يكون كمخروط قاعدته عنده ورأسه عند الناظر وهذا سر اتساع ميدان الرؤية وكلما كان المرئي بعيدا يكون الاتساع أكثر ثم إن الأجسام كلما بعدت عن عين الناظر ترى أصغر وذلك لاتساع زاوية