لمن خرج عنه وقد اختلفت ظواهر الأخبار أيضا.
وقبل الورود في دلالة الكتاب والأخبار لا بد من التنبيه على أمر وهو أنه لا اشكال ولا خلاف بين عامة المسلمين بل من المعروف لدى جميع أهل الملل والأديان أن قبلة المسلمين واحدة وهي الكعبة المعظمة وبيت الله الحرام بحيث لو قيل إن للمسلمين أكثر من قبلة واحدة يعد مستنكرا وكون الكعبة وحدها قبلتهم من الضروريات التي لا يشوبها شبهة وكانت الشهادة بأن الكعبة قبلتي معروفة معلومة كالشهادة بساير العقايد الحقة وعلى ذلك لو دل ظاهر دليل على خلاف ذلك لا بد من تأويله أو طرحه إذا عرفت ذلك.
فنقول مما ورد في القبلة قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (1) وقوله تعالى: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (2) وقد نزلت الآية الشريفة في المدينة المنورة بعد ما كانت القبلة إلى ذلك الحين بيت المقدس ويظهر منها أمران أحدهما أن القبلة لجميع المسلمين واحدة لا كثرة فيها. وثانيهما أن الخارج عن الحرم مكلف بالتوجه إلى المسجد الحرام لا غير.
فالأخبار الدالة على أن الكعبة قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لجميع الناس مخالفة للآية من وجهين أحدهما دلالتها على كثرة القبلة وأن لكل طايفة قبلة خاصة بها وثانيهما صراحتها على أن قبلة جميع الناس الخارجين من الحرم هي الحرم والآية صريحة على خلافها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في المدينة وقد أمره الله أن يولي وجهه إلى المسجد الحرام، فتلك الأخبار إما مؤولة أو مطروحة، وإن أفتى بها كثير من الأصحاب بل ادعى الاجماع على مضمونها، فإن ذلك القول اجتهاد منهم، ولا اعتبار بالاجماع إذا تخلله الاجتهاد، وقد خالفهم كثير من الأصحاب،