وهنا احتمال آخر هو المتعين بعد بيان مأخذه، وهو أن القاعدة في المقام هي قاعدة التجاوز عند الشك فيما يعتبر في الشئ، وهي سارية في جميع الأبواب و غير مختصة بالصلاة، وأما أصالة الصحة بمعنى الحكم بالصحة أو البناء عليها عند الشك فيها بعد الفراغ من العمل فلا أساس لها، وقد فصلنا ذلك في رسالة الاستصحاب ونشير إليه في المقام اجمالا.
فنقول: إن في قاعدة الفراغ بما ذكروها اشكالا ثبوتيا من ناحيتين.
أولاهما أن الصحة والفساد أمران انتزاعيان من فعل المكلف تابعان لمنشأهما، ولا يعقل تخلفهما عنه، ولا تنالهما بذاتهما يد الجعل، بل لا يعقل ذلك إلا بالتصرف في المنشأ، فلو كان المأتي به مطابقا للمأمور به في جميع ما يعتبر فيه تنتزع منه الصحة، ولا يعقل عدمها كما لا يعقل الحكم بالفساد، أو الحكم بالبناء عليه كما أنه لو كان المأتي به مخالفا له ولو من حيث لانتزع منه الفساد ولا يعقل مع بقاء المنشأ بحاله انتزاع الصحة منه أو الحكم بها أو الحكم بالبناء عليها، وبالجملة جعل الصحة من غير التصرف في المنشأ محال، ومع التصرف فيه بوجه ينطبق عليه المأتي به تحصيل للحاصل، ومنه يعلم عدم امكان الحكم بالبناء عليها مع فعلية ما يعتبر في المأمور به وعدم التصرف في المنشأ، فأصالة الصحة بالمعنى المعهود أمر غير معقول.
ثانيتهما أن الشك في الصحة لا يعقل إلا مع الشك في شئ مما يعتبر في العمل، ولا يعقل العلم بتحقق المأمور به بأجزائه وجميع ما يعتبر فيه والشك في صحته، وعلى ذلك يكون الشك فيها دائما مسبوقا بالشك في الوجود الذي هو مجرى قاعدة التجاوز، فأصالة الصحة دائما إما محكومة للقاعدة أو جعلها لغو لا يعقل صدوره من الحكيم.
وتوهم أن بين القاعدتين عموما من وجه قد فرغنا عن رده، وتوهم عدم