الرؤية وضيقها فكلما كانت الزاوية أضيق يكون الشئ أصغر في الرؤية وكلما اتسع انفراجها صار أكبر فيها.
ثم إن هنا أمرا آخر وهو أن مقاديم بدن الانسان خلقت على نحو فيها تحديب من الجبهة إلى القدم ولهذا كانت الخطوط الخارجة عن أجزاء المقاديم غير متوازية كأشعة خارجة عن عين الشمس فلو كان البدن نورانيا كالشمس كان النور الخارج منه قريبا مما خرج منها ويزداد بسط نوره واتساعه كلما ازداد الامتداد ولهذا يختلف التقابل بينه وبين الأجسام حقيقة ودقة باختلاف البعد والقرب لا لخطأ الباصرة كما قيل لأن الخطوط الخارجة من مقدم صدر الانسان لا تكون متوازية بل تكون كخطي المثلث كلما ازدادت امتدادا ازدادت اتساعا فإذا امتدت إلى فرسخين تنطبق على جبل عظيم وكان ذلك مقابلا للصدر حقيقة ألا ترى أن الجسم الكروي الصغير يحاذي حقيقة سطحه المحيط به على صغره مع الدوائر العظيمة جدا كدائرة معدل النهار بل الدائرة المفروضة فوقها إلى ما شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك نقول إذا كان الكعبة المعظمة بعيدة عن المصلي بمقدار ربع كرة الأرض أو أقل فلا محالة تصل الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه إلى الكعبة أو تحيط بمكة بل بشبه الجزايرة العربية فإن الخطوط التي يخرج من الجبهة والصدر وسائر المقاديم لا تكون متوازية كما مر فلما كان التحديب في كل من عرض مقاديم البدن وطولها كما هو المشاهد تكون الخطوط الطولية الخارجة منها غير متوازية أيضا وكلما ازدادت بعدا من الأجسام ازدادت اتساعا وإحاطة فتكون جملة منها نافذة فرضا في الأرض الحاجبة بينه وبين الجسم الآخر وهو الكعبة في المقام وتصل إلى نفس الكعبة وتحتها وفوقها إلى ما شاء الله وقد عرفت أن هذا هو التقابل الحقيقي العقلي الذي عرفه الشارع الأعظم وإن غفل عنه المصلي.
وأما بالنسبة إلى من كان بعيدا أزيد مما ذكر فلنفرض كون المصلي بعيدا عن مكة بمئة وثمانين درجة وكان واقفا على موقف لو فرض خط مستقيم من أم رأسه