وبوجه ثالث أن المفروض الاتيان بالصلوات السابقة والشك في صحتها من جهة الشك في ترك شئ منها ركنا أو غيره، فمع احتمال صحة الصلاة يكون القضاء مجرى البراءة لأنه بأمر جديد، ولا يمكن احراز بطلانها وعدم موافقتها للمأمور به بالاستصحاب، لأن الأصل بنحو الكون الرابط غير مسبوق بالعلم بالحالة السابقة، واجرائه بنحو الكون التام والعدم الأزلي لاثبات الكون الرابط مثبت، كما في نظاير الأصول للأعدام الأزلية لاثبات الحكم للموجود، فتحصل منه أن الاختصاص بالعالم حكما وموضوعا مع احتمال الترك سهوا وغفلة لا يوجب محذورا، هذا كله بالنسبة إلى العبادات.
وأما المعاملات المشكوك فيها كالبيع والصلح وغيرهما فأكثر ما وقعت منها في جريان السوق من المعاملات الجزئية اليومية المعاطاتية من المأكول والمشروب والملبوس لا تكون موردا للشك إلا نادرا، مع أن متعلقاتها صارت تالفة في الأعصار السالفة إلا نادرا، ومع التلف يشك في الضمان، واثباته بقاعدة اليد أو قاعدة الاتلاف غير ممكن لأن الشبهة فيهما مصداقية بعد التردد في كون الشك من القسم الجاري فيه قاعدة التجاوز أو القسم غير الجاري فيه القاعدة، فلا يجوز التمسك بالقاعدة ولا بالاستصحاب مطلقا، ولا بساير القواعد، فالضمان مجرى البراءة.
مضافا إلى أنه مع احتمال صحة المعاملة الخارجية تجري البراءة من الضمان، واثبات بطلانها بنحو الكون الناقص غير مسبوق بالعلم، وبنحو التام لاثبات الناقص مثبت كما تقدم نظيره، ومع عدم الجريان، وكون سائر القواعد والاستصحابات الحكمية غير جارية للشبهة المصداقية تجري البراءة عن الضمان.
بقي الكلام في المعاملات المهمة كالأراضي والعقارات وغيرها ما يهتم بها المتعاملان، وفي مثلها يمكن أن يقال: إن أكثرها تقع بالتوكيل للدليلين وغيرهم مما يحمل أعمالهم على الصحة مطلقا، ومع فرض ايقاعها مباشرة فما طرئ عليها التلف ولو حكما يأتي فيها ما تقدم من البراءة عن الضمان، وما بقي منها يمكن اجراء