جاء به رسول الله إلا استقبال الكعبة فقط (1).
ثم إنه بناء على هذا الاحتمال لا بد أن يحمل الآية الكريمة أي قوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (2) بناء على عمومها حتى لمن كان في مكة على من كان في مكان كان التوجه فيه إلى المسجد عين التوجه إلى الكعبة بقرينة شأن نزول الآية والضرورة المتقدمة والأخبار المشار إليها، مع امكان أن يقال إن قوله تعالى ومن حيث خرجت (3) أي إذا كنت خارجا عن مكة وقوله تعالى: وحيث ما كنتم (4) أي بعد خروجكم عن مكة.
وهنا احتمالان آخران في الآية لا حاجة معهما إلى الحمل المتقدم ذكره وهما كون المسجد الحرام كناية عن الكعبة بالقرائن المتقدمة أو مجازا ادعائيا أو في الكلمة على ما قالوا في المجاز فيكون المراد التوجه إلى الكعبة.
وكيف كان فلا بد لأجل تلك القرائن من حمل الروايات المخالفة كمرسلة الفقيه والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الدنيا (5)، ونحوها رواية بشر (6) على ما حملنا الآية عليه من أن الأمر بالتوجه إلى المسجد ليس لأجل كونه قبلة بل لأجل كونه توجها إليها.
بأن يقال إن جعل المسجد والحرم قبلة بالمعنى اللغوي للاستقبال إليها ليس لأجل نفسيتهما بل لكونهما مشتملين على الكعبة وكون الاستقبال إليهما هو الاستقبال إلى الكعبة وأن المراد من أهل المسجد هو أهل مكة وإلا فلا أهل للمسجد فأهل المسجد أي أهل مكة لا بد لهم من استقبال الكعبة والخارج عنها أي أهل الحرم لا محيص لهم في استقبال الكعبة عن استقبال المسجد لعدم امكان التفكيك بين استقباله واستقبالها