بيع الغرر حقيقة وإن لم يكن صحيحا شرعا. نعم بعد اطلاعهم على أنه ليس بصحيح شرعا وإذعانهم بذلك يكون الاطلاق المذكور مجازا لعدم كونه فردا للبيع في نظرهم الناشئ عن متابعة الشارع، فلو حلف ليبيعن لم يجز مثل بيع الغرر لأنه ليس فردا حقيقيا، ولو أقر بالبيع حمل على الصحيح شرعا دون الفاسد لأنه ليس بفرد، لكن لو ادعى الجهل بالحكم الشرعي لم يبعد القبول لأنه ليس إنكارا بعد الاقرار بل بيان لوجه الاقرار. (هذا) ولكن عرفت أن البيع بالمعنى المسبب لا يتصف بالصحة والفساد بل إنما يتصف بالوجود والعدم لا غير، فالاختلاف بين الشرع والعرف يكون اختلافا في الوجود والعدم الناشئ عن الاختلاف في منشأ الاعتبار فما يكون منشأ عند العرف قد لا يكون منشأ عند الشارع بالعكس فلا خطأ منهم في شئ إذ لا واقع محفوظ يمكن فرض الخطأ فيه تارة والإصابة أخرى، نعم لا اختلاف بين الشرع والعرف في مفهوم اللفظ بل المعنى عند الجميع واحد وهو الذي عرفت الكلام فيه وأنه المبادلة أو النقل أو التمليك أو غير ذلك. فلاحظ (قوله: وأما وجه تمسك العلماء) ظاهر العبارة يقتضي أن يكون المراد أن لفظ البيع في مثل: (أحل الله البيع) مستعمل في الصحيح عند العرف بقرينة ورود الخطاب المذكور على طبق الاستعمالات العرفية فإذا كان المراد منه ذلك يكون إطلاق الحكم بالحل دليلا على صحته عند الشارع مطلقا، إذ لو كانت صحته عند الشارع مشروطة بشرط كان اللازم تقييد الحكم به (وفيه) أنه بعد ما تقدم من أن لفظ البيع موضوع للمؤثر وأن الاختلاف بين الشرع والعرف ليس في مفهومه بل في مصداقه لا وجه لحمله على المؤثر عند العرف، بل المتعين حمله على المؤثر واقعا فإنه معناه عرفا وشرعا، وكون الاستعمال جاريا على طبق الاستعمالات العرفية لا يصلح قرينة على حمله على غيره، بل يوجب حمله على معناه الحقيقي، ولو سلم لزوم حمله على خصوص المؤثر عرفا كان نفس الحكم بالحل ووجوب الوفاء مقتضيا للحكم بصحته شرعا ولو لدلالته عليه بالالتزام لا أن ذلك مقتضى إطلاقه (فالأولى) أن يقال: إن لفظ البيع يحمل على معناه وهو المؤثر واقعا، ولما لم يكن طريق إلى معرفته غير
(٢٢)