وهذا الاقتدار ثابت في جميع الفروض. ففي مرتبة الترك، يقدر على الفعل وبالعكس، وفي مرتبة وجود المرجحات، يقدر على فعل الراجح والمرجوح. إذ لا فرق للقادر من حيث إيجاد الفعل بين الفعل والترك، وبين فعل الراجح والمرجوح أيضا. والاحتياج إلى الترجيح إنما هو لأجل كون الفعل حكميا كي يمجد ويحمد فاعل الحسن الحكمي وكذلك ترك المرجوح لا لخروج المرجوح عن القدرة وضعف القادر وقصوره بل يتركه لأجل قبحه، فيقدس على ترك القبيح. وعند صدور الفعل الراجح وترك المرجوح، يكون الفعل والترك معلولين ومستندين إلى القدرة، لا إلى الراجحية والمرجوحية. فإنهما ليستا في عرض القدرة. بل في طولها، والقدرة حاكمة عليهما. فعلى هذا لو قام ألف ترجيح للفعل والمرجوحية لضده أو نقيضه، لما كان له تأثير في صدور الفعل وما كان له حكومة على القدرة. وإنما يختار الإنسان القادر الفعل الراجح لو اختاره بحسب عقله، كي يمجد على ذلك ويوجد الفعل بقدرته من دون إيجاب عليه. وهكذا يترك المرجوح بقدرته ليتنزه عن ارتكاب القبيح، ولو كان على خلاف ميولاته وشهواته.
وثالثا: قد تقرر في محله أن أشرك أنواع الفاعل المختار - أي الذي إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل - أي: من له التمكن التام والمالكية والاقتدار على الفعل والترك واقعا. أما القول بصدور الفعل عنه دائما وإيجاب المشية عليه، فينافي إثبات القدرة بمعنى التمكن التام من الفعل والترك فيه.