مع علي يميل مع الحق كيفما مال) ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟
فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلي قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه! فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك؟ فقال: إذا وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وردوا عليه.
فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلموا فقال الأنصار للمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب.... فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص، ثم باقي المهاجرين، ثم بعدهم الأنصار....