وقال المصنف في البصائر: تبعا للراغب وغيره: الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرقا منجما (1)، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام، وقوله تعالى: (لولا نزلت سورة) (2) وقوله تعالى: (فإذا أنزلت سورة محكمة) (3) فإنما ذكر في الأول نزل، وفي الثاني أنزل تنبيها أن المنافقين يقترحون أن ينزل شيء، فشئ من الحث على القتال ليتولوه، وإذا أمروا بذلك دفعة واحدة تحاشوا عنه فلم يفعلوه، فهم يقترحون الكثير، ولا يفون منه بالقليل، وقوله تعالى: " إنا أنزلناه في ليلة القدر) (4) إنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روي أن القرآن أنزل دفعة واحدة، إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجما بحسب المصالح. ثم إن إنزال الشيء قد يكون بنفسه، كقوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء) (5) وقد يكون بإنزال أسبابه والهداية إليه، ومنه قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) (6) وقوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم) (7)، وشاهد الاستنزال قوله: (واستنزلوهم (8) من صياصيهم "، ثم الذي في المحكم أن نزله وأنزله وتنزله بمعنى واحد، والمصنف لم يذكر تنزله، وذكر عوضه استنزله، فتأمل.
وتنزل: نزل في مهلة وكأنه رام به الفرق بينه وبين أنزل، فهو مثل نزل، ومنه قوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح) (9)، وقوله تعالى: (وما نتنزل إلا بأمر ربك) (10)، وقال الشاعر: * تنزل من جو السماء يصوب (11) * والنزل، بضمتين: المنزل، عن الزجاج، وبذلك فسر قوله تعالى: (أعتدنا جهنم للكافرين نزلا) (12).
والنزل أيضا: ما هيئ للضيف وفي الصحاح للنزيل أن ينزل عليه، وفي المحكم: إذا نزل عليه كالنزل، بالضم، ج: أنزال.
وقال الزجاج: معنى قولهم: أقمت لهم نزلهم: أي أقمت لهم غذاءهم وما يصلح معه أن ينزلوا عليه، وفي الحديث: " اللهم إني أسألك نزل الشهداء ".
قال ابن الأثير: النزل في الأصل: قرى الضيف، وتضم زايه، يريد ما للشهداء عند الله من الأجر والثواب، ومنه حديث الدعاء للميت: " وأكرم نزله ".
النزل أيضا: الطعام والرزق، وبه فسر قوله تعالى: (هذا نزلهم يوم الدين) (13).
والنزل: البركة، يقال: طعام ذو النزل: أي ذو البركة، كالنزيل كأمير، وهذه عن ابن الأعرابي، يقال: طعام ذو نزل ونزيل: أي مبارك.
ومن المجاز: النزل: الفضل والعطاء والبركة، يقال: رجل ذو نزل: أي كثير النفل (14) والعطاء والبركة.
وقال الأخفش: النزل: القوم النازلون بعضهم على بعض، يقال: ما وجدنا عندكم نزلا.
والنزل أيضا: ريع ما يزرع وزكاؤه ونماؤه وبركته كالنزل، بالضم وبالتحريك، والجمع أنزال، كما في المحكم، واقتصر ثعلب على التحريك في الفصيح، وقال لبيد:
ولن تعدموا في الحرب ليثا مجربا * وذا نزل عند الرزية باذلا (15)