قال: فنادى معاوية في الناس وأمرهم بالمسير إلى صيداء (1) على أن يركب منها إلى رودس، فسار المسلمون في تعبية حسنة حتى وردوا صيداء وقد جمعت المراكب بها، قال: فجلس معاوية في مركب منها وركب المسلمون المراكب وقد شهروها بالأعلام والمطارف وخطفوا من الساحل بالتهليل والتكبير في البحر، والدليل بين أيديهم في مركب من تلك المراكب ومعه أشد المقاتلة، فلم يزالوا كذلك حتى لاحت لهم الجزيرة في وسط البحر.
قال: وأهل رودس قد استقبلوا المسلمين في مراكبهم، فاقتتلوا في البحر حتى كثرت القتلى بينهم، ثم رزق المسلمون الظفر عليهم، فهزموهم وفضوا أمرهم ومراكبهم حتى ساروا إلى الجزيرة فدخلوها عنوة وقتلوا فيها من قتلوا، وغنموا ما غنموا فيها من مال وأثاث. قال: فبينا المسلمون يدورون في رودس ويجمعون غنائمها إذ دخل منهم رجل يقال له عبد الرحمن بن عرزب الأشعري إلى دار من دورها فلم ير فيها أحدا، فجعل يدور فيها مع نفر من المسلمين وهو يقول:
ويحكم! هذه دار نظيفة حسنة البناء ولا تخلو هذه الدار من قوم يكونون فيها، قال:
فبينا القوم يجولون في الدار إذا هم بمطمورة (2) عليها باب قد طمره بالتراب، قال:
فنبش التراب وقلع الباب ودخل المسلمون المطمورة فإذا فيها خمسمائة رأس من رقيق بين غلام وجارية! وإذا أثاث كثير من ديباج وبزيون وأنواع الأمتعة! قال:
فأخرج كله من المطمورة حتى أتي به إلى المقسم، فإذا رقعة وقعت من جيب جارية! فأخذت الرقعة ففتحت فإذا فيها خاتم ذهب وفص ياقوت أحمر! فأتي به إلى معاوية، فأرسل به معاوية إلى صاحب المقاسم وأمره أن ينادي عليه، قال: فنودي على ذلك الخاتم فبلغ ألف دينار ومائتي دينار، قال: فأخذه معاوية لنفسه وحسبه للمسلمين من سهمه.
قال: ثم جمعت الغنائم فوضعت في المراكب، ثم خطف المسلمون إلى الساحل. وكتب معاوية إلى عثمان يخبره بسلامة المسلمين وما فتح الله عز وجل من رودس، قال: فسر عثمان بذلك سرورا شديدا وقسم الخمس في المدينة.