الأنصار يسوقان حمارين فقال لهما عبادة بن الصامت: ما هذا؟ فقالا: يا أبا الوليد!
إن معاوية أمر لنا بهذين الحمارين ونحن نرجو أن نحج عليهما إن شاء الله، قال فقال عبادة: لا والله ما يحل لمعاوية أن يعطيكماهما ولا يحل لكما أن تأخذاهما إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لكما بذلك، قال: فقالا له الأنصاريان: يا سبحان الله!
وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لهما عبادة: لعله أوعز إليكما، فقال: إذا فتحتم جزيرة قبرص يؤمر لكما بحمارين أقمرين فاقبضاهما، قال: فسكت الأنصاريان وردا الحمارين على معاوية وخبراه بمقالة عبادة بن الصامت، فأقبل معاوية إلى عبادة يسأله عن ذلك، فقال له عبادة: يا معاوية! إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والناس يكلمونه في الغنائم، فرأيته وقد أخذ وبرة من جنب بعير ثم قال: (والله ما لي مما أفاء الله عليكم من هذه الغنائم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم). قال: فقال معاوية: يا أبا الوليد! أتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك يوم حنين؟ قال عبادة: الله أكبر! إذ قد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر من تولي غنائم المسلمين؟ قال معاوية: فإني قد وليتك الغنائم فاقسمها في أهلها بما تعلم واتق الله فيها، فقال عبادة: وكيف اخترتني لذلك؟ فقال: لأنه قد ورد علي كتاب أمير المؤمنين عثمان يأمرني أن أولي ما غنمت من شيء أفضل من أجد، وأنت عندي أفضل من أقدر عليه في وقتي هذا لإسلامك القديم وصحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبادة: ولها غيري يا معاوية! فإني لا ألي ذلك أبدا، قال معاوية: فإني لا أجد أحدا يليها سواك. قال: فولى الغنائم عبادة بن الصامت وأعانه عليها أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي وغيرهم من الصحابة، قال: فنظر بعض المسلمين إلى أم الدرداء امرأة أبي الدرداء وفي يدها سوار من فضة قيمتها عشرة دراهم فقال لها: يا أم الدرداء!
أنى لك هذا؟ فقالت: هو من سهم أبي الدرداء في يوم قبرص.
قال: ثم جمع معاوية هدايا كثيرة فوجه بها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، ووجه بجارية حسناء فائقة الجمال من بنات أهل قبرص ودفع ذلك كله إلى رجل من المسلمين يقال له عبدة بن عبيد السلمي ووجه به إلى عثمان، فلما ورد الكتاب والمال من الخمس وغيره من الهدايا إلى عثمان نظر إليه ففرح بذلك، ثم فض الكتاب وقرأه فحمد الله على ذلك كثير، ثم نظر إلى الجارية فقال للرسول: هذه من الخمس؟ قال: لا يا أمير المؤمنين! هذه وقعت في سهم معاوية فأحب أن يهديها إليك، قال عثمان: ما اسمك؟ قال: عبدة بن عبيد، فقال: أكنت من المسلمين