ذل بعد صعوبته، قال: فكتب إليه عثمان: إني لست بفاعل ذلك ولا آذن لك في ركوب البحر وقد نهاك عنه عمر بن الخطاب (1)، فإن أبيت ذلك ولم يكن لك بد من ركوب البحر فاحمل معك أهلك وولدك حتى أعلم أن البحر هين كما تقول (2).
قال: فلما ورد كتاب عثمان على معاوية وقرأه نشط لركوب البحر إلى قبرص، ثم كتب إلى أهل السواحل فأمرهم بإصلاح المراكب وتقريبها إلى ساحل حصن عكا ليكون ركوب المسلمين من عكا إلى قبرص. قال فأصلحت المراكب وجمعت، ووضع معاوية الارزاق للناس فأعطاهم وأمرهم بالمسير إلى عكا، قال: وعقدت الرايات والألوية ففرقت في المراكب، ونادى معاوية في الناس أن لا يتخلف أحد عنه ممن أخذ أرزاقه.
قال: فخرج الناس من دمشق حتى صاروا إلى عكا، وخرج معاوية من دمشق ومعه أهله (3) وولده حتى نزل بعكا، وركب معاوية في مركب منها مع أهله وولده، ثم دفعت من عكا يوم الجمعة قبل الصلاة والمراكب في عشرين ومائتي مركب وقد رفع الناس أصواتهم وضجوا بالتهليل والتكبير.
قال: فبينا القوم يسيرون في البحر إذ هب الريح وهاج البحر فاضطرب بأمواجه وفرق المراكب يمنة ويسرة، قال: وفزعت امرأة معاوية فزعا شديدا ثم صاحت بالنوتي - وهو الملاح الذي يدبر أمر المركب وكان من القبط واسمه طليا - وقالت:
ويحك يا طليا! احبس المركب، قال: فضحك طليا ثم قال: أيتها المرأة! ليس ههنا أحد له سلطان على هذا البحر دون الملك الجليل، وليس إلى حبس المراكب من سبيل، قال: فاغتم معاوية بمن قد حمل معه من نسائه وأولاده، فلم يزالوا كذلك ساعة ثم إن الريح هدأت وسكنت، فسار المسلمون في مراكبهم.
قال: وإذا مراكب الروم سائرة في البحر وفيها هدايا قد بعث بها ملك قبرص إلى قسطنطين بن هرقل ملك الروم، قال: فأحدق المسلمون بتلك المراكب