فأخذوها، فإذ فيها جوار حسان وأثاث فاخر من البزيون (1) والديباج والسقلاطون وغير ذلك، فأخذ معاوية ذلك كله وسار في البحر حتى صار إلى قبرص بكل عافية وسلامة وغنيمة، فأمر بالمراكب فأرسيت على ساحل قبرص، ثم أمر أصحابه فخرجوا من المراكب فأغاروا على قبرص، فغنموا غنائم ليست بالقليل حتى ملأوا المراكب بالجواري والغلمان والأثاث الفاخر، ثم أرسل ملك قبرص إلى معاوية يسأله الصلح والرجوع عنه إلى بلاد الاسلام، فأجابه معاوية إلى ذلك على أنه يؤدي إليه في كل سنة سبعة آلاف دينار ومائتي دينار، فأجابه إلى ذلك وأخذ منه ما أخذ وكتب عليهم بذلك كتابا وميثاقا أنهم لا يغدرون ولا ينقضون ذلك أبدا (2)، قال: وكان أهل قبرص يؤدون إلى معاوية في كل سنة سبعة آلاف دينار ومائتي دينار وإلى ملك الروم مثل ذلك.
قال: ثم جلس معاوية وأصحابه في المراكب وساروا يريدون إلى الساحل الذي أقبلوا منه ومعهم يومئذ من النساء والذرية نيف وثمانية آلاف، وفي النساء نيف على سبعمائة عذراء والمراكب مشحنة بجميع الأمتعة حتى صاروا إلى الساحل وخرجوا، وأخرج معاوية من ذلك كله الخمس ووجه به إلى عثمان بن عفان وكتب إليه يخبره في كتابه بسلامة المسلمين، وقسم معاوية باقي ذلك في المسلمين.
قال: فجعل الناس يقتسمون السبي والخير الكثير بينهم فينادى عليهم فيباع ويشترى. قال: ونظر أبو الدرداء إلى ذلك فجعل يبكي، فقال له جبير بن نفير الحضرمي (3): ما يبكيك يا أبا الدرداء؟ وهذا يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله وأذل الشرك وأهله؟ قال: فضرب أبو الدرداء بيده على منكب جبير بن نفير ثم قال:
ثكلتك أمك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه (4)، فانظر إلى هؤلاء القوم بينا هم ظاهرون قاهرون لمن ناوأهم، فلما تركوا أمر الله عز وجل وعصوه