قال: فكتب إليه علي رضي الله عنه أما بعد! فإنه أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله فيه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لدينه وتأييده إياه بمن أيده وما أنعم عليه في الوحي والهدى، فالحمد لله الذي صدق له الوعد، وتمم له النصر ومكن له في البلاد، وأظهره على أهل العناد (1) في قومه الذين وثبوا به وأظهروا له التكذيب، ونابذوه بالعداوة والبغضاء، وظاهروا على إخراجه (2)، وجهدوا عليه وعلى أصحابه، حتى ظهر أمر الله وهم كارهون (2)، وكان أشد الناس عليه أسرته الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصم الله منهم، ولقد خبأ لنا منك الدهر خبيا معجبا إذا طفقت تخبرنا عن بلاء الله في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا، فكأنك في ذلك كجالب التمر إلى هجر، ذكرت أن أفضل أصحابه خليفته الصديق وخليفة خليفته الفاروق، إن مكانهما في الاسلام لعظيم، وإن مصابهما لشديد في حبهما الله وجزاهما بأحسن أعمالهما، وذكرت أن عثمان كان لهم في الخلافة ثالثا، فذكرت لهؤلاء فضلا إذ هو ثم اعتزلك، وان نقص لم يلحقك ثلمة، وما أنت والصديق؟ صديقنا إذ صدق بحقنا وكذب بباطل غيرنا، وما أنت والفاروق؟ إنما فرق بيننا وبين أعدائنا، وأما عثمان فإن كان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف له الحسنات ويمحو عنه السيئات، فإن كان مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولكني لاحب أن تخبرني يا بن هند ما للطلقاء وأولاد الطلقاء والأحزاب وأولاد الأحزاب وإن لم يثبت بين المهاجرين الأولين إلا بربع، أيها الانسان! على طلعك، وتتأخر حيث أخرك القدر، ولكن بنعمة الله تعالى إننا قد فزنا على جميع المهاجرين كفوز نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر النبيين، أولا ترى أن قوما استشهدوا في سبيل الله ولكل فضل؟ حتى إذا استشهد عمه حمزة قيل: سيد الشهداء، وخصه صلى الله عليه وسلم بسبعين تكبيرة، ووضعه بيده في قبره، وإن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل، حتى إذا قطعت يد أخي جعفر قيل: الطيار في الجنة، أو لا ترى أن مسلمنا قد بان في إسلامه كما بان جاهلنا في جاهليته؟ حتى قال عمي العباس بن عبد المطلب لأبي طالب:
أبا طالب لا تقبل النصف منهم * وإن أنصفوا حتى نعق ونظلما