وكرامة أبا عمرو! والله ما انتظاري إلا على رجل واحد وهو شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة الكندي، وذلك لأنه سيد من سادات أهل الشام ولا أحب أن أقطع أمرا دونه، فإذا قدم علي نظرت ما الذي عنده من الرأي، ثم إني ألقاك في أول المجلس بالفصل إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
قال: فانصرف جرير إلى رحله، واتصل الخبر بالوليد بن عقبة، فأقبل على من كان عنده من بني أمية فقال: ألا تعجبون من معاوية ومن حبسه جريرا عنده لا يوجهه إلى صاحبه ويعزم على حربه؟ والله! لقد بلونا من تربص معاوية لعثمان بن عفان وقعوده عنه ما قد اكتفينا به، ولكن والله لأحركن أخاه عتبة فلعله أن ينهض إلى حرب علي رضي الله عنه، فليس عتبة بدون معاوية، قال: ثم كتب الوليد بن عقبة إلى عتبة بن أبي سفيان أبياتا من الشعر مطلعها:
أعتبة حرك من أخيك ولا تكن * فول الهوينا إن أراد مؤاتيا إلى آخرها.
قال: فلما وردت هذه الأبيات على عتبة بن أبي سفيان غضب لذلك ثم قال:
إنما أراد الوليد أن يخطب إلى عقلي، أيرجوني لامر ومعاوية، جن والله ما أنصفنا الوليد ولا أراد بذلك إلا تحريض بعضنا ببعض! وليس هذا جزاؤنا منه إذ نصبنا جباهنا ونحورنا لسيف علي بن أبي طالب غضبا لابن عمه عثمان بن عفان وهو بالحجاز متكئا على الحشايا، ثم أجابه عتبة بن أبي سفيان أبياتا من الشعر مطلعها:
كرهت أبا وهب قراع العواليا * وحسبك أن تهدي إلي القوافيا إلى آخرها.
قال: ثم بعث معاوية مالك بن هبيرة الكندي إلى محمد بن أبي حذيفة فحاربه فقتله (1)، ثم بعث إلى قيصر ملك الروم بالهدايا فواعده، ثم دعا عمرو بن العاص فقال: أبا عبد الله! هات الآن ما ترى في علي بن أبي طالب، فقال عمرو: أرى فيه خيرا، إنه قد أتاك هذا خير أهل العراق جرير من عند خير الناس علي بن أبي طالب، ورد هذه البيعة خطر شديد وأمر عظيم، ورأس أهل الشام اليوم شرحبيل بن السمط الكندي وهو عدو لجرير، فأرسل إليه وعب له رجالا من ثقاتك يشهدون (2)