أنا إلا رجل منكم، أحارث من تحاربون وأسالم من تسالمون.
قال: ثم أرسل معاوية إلى جرير أن الحق بصاحبك فأخبره بالذي سمعت من مقالة أهل الشام.
قال: فأمر جرير فقدمت أثقاله، ثم استوى على فرسه وسار حتى قدم على علي رضي الله عنه بعد عشرين ومائة ليلة، فأخبره بأخبار معاوية وما سمع من أهل الشام، فقال له الأشتر: والله يا أمير المؤمنين! لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى خناقة (1) وأقام حتى لم يدع (2) بابا مفتوحا إلا أغلقه ولا مغلقا إلا فتحه، فقال جرير: أما والله لو كنت مكاني لقتلوك، لأني سمعتهم يقولون بأنك ممن قتل عثمان. ثم أقبل جرير على علي رضي الله عنه فقال: والله يا أمير المؤمنين! إن لو قدروا على هذا أو على محمد بن أبي بكر أو عمار بن ياسر أو حكيم بن جبلة أو مكشوح المرادي لقتلوهم، ولقد خرجت ذات ليلة من رحلي لحاجة لي فنظرت إلى غلام من أهل الشام رافعا صوته وهو يقول أبياتا من الشعر مطلعها (3).
حكيم وعمار وشيخ محمد * ومالك والمكشوح جروا الدواهيا (4) إلى آخرها.
قال: فقال علي رضي الله عنه ما أخطأ الغلام شيئا والله ولي عثمان. فقال الأشتر: دعنا يا جرير من أشعار الصبيان، والله إن لو كنت مكانك لما ثقل علي جوابهم، ولحملت معاوية وأصحابه على خطة أعجله فيها عن الفكر، فقال جرير:
فلم لا تأتيهم الآن؟ فقال: وكيف آتيهم وقد أفسدتهم، قال: ثم أنشأ الأشتر يقول في ذلك أبياتا من الشعر مطلعها: