على ما بايعه المهاجرون والأنصار، ولو ملكنا أمورنا لم نختر للخلافة أحدا سواه، فاتق الله يا معاوية واحذر في نفسك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، فادخل فيما دخل فيه الناس، فإن قلت بأن عثمان بن عفان استعملني ولم يعزلني فإن الامر لو جاز كما قلت لم يقم لله دين وكان لكل امرئ ما في يديه، ولكن قد جعل الله تبارك وتعالى للآخر من الولاء مثل حق الأول - والسلام -.
قال: فلما سمع معاوية كلام جرير وثب فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن الله عز وجل قد جعل الدعائم للاسلام أركانا، وجعل الشرائع للايمان برهانا، يتوقد مقباسه (1) في الأرض المقدسة التي جعلها الله تعالى محل الأنبياء والصالحين من عباده، فأدخلها وأحلها أهل الشام، ورضيهم لها سكانا لما سبق في ذلك من مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم لخلفائهم وللقيام بأمره، والذب عن حرمه ودينه، ثم (2) جعل لهذه البلدة الآمنة نظاما ولسننه أعلاما. وبالله نستعين على ما تشعب من أمور المسلمين وتباعد من فرقتهم، اللهم فانصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ويخيفون قاعدنا (3) ويريدون إراقة دمائنا وإخافة سبلنا، وقد علم الله أني لا أريدهم عقابا ولا أهتك لهم حجابا، ولكن الله تبارك وتعالى قد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه منا أبدا ما جاوب الصدى، وما سقط الندى وعرف الهدى، وبالله نستعين على حسد الأعداء - والسلام -.
قال: ثم جلس على المنبر ساعة وقام قائما على قدميه فقال: أيها الناس! قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان (4)، ولم أقم على خزاية (5) قط، وقد قتل عثمان مظلوما وأنا وليه، والله عز وجل يقول: (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا *) (6) وأنا أحب أن تعلموني بما في أنفسكم من قتل عثمان! فقال: فوثب إليه الناس من