وجهت إليك بجرير بن عبد الله البجلي، وهو من أهل الايمان والهجرة، وأحب الأشياء إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء، فإن تعرضت قابلتك واستعنت الله عليك ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - والسلام -.
قال: ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى جرير، فلما أراد جرير أن يرحل إلى معاوية أقبل مسكين بن حنظلة وهو رجل من الصالحين إلى جرير [وقال] (1) إن بيني وبين معاوية مودة وإخاء قديما فاحمل إليه كتابي هذا وانظر ما يرد عليك.
قال: فأخذ جرير كتاب علي وكتاب مسكين بن حنظلة، وسار بالكتابين حتى صار إلى الشام، ودخل على معاوية فسلم، فرد عليه معاوية السلام وقربه وأدناه، ثم قال: هات ما عندك يا جرير! فقال جرير: والله! إنه قد اجتمع لابن عمك علي بن أبي طالب أهل الحرمين: مكة والمدينة، وأهل العراقين: البصرة والكوفة، وأهل الحجاز وأهل اليمن، فلم يبق في يديك إلا هذه الحصون التي أنت عليها، ولو سال عليها سيل من أوديته لغرقها وقد أقبلت إليك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى اتباع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على أنه يعطيك أرضك التي أنت عليها، فتعمل فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله من الحق والسنن، فتكون كذلك أبدا ما دام على حيا، فإن مات وأنت حي رأيت رأيك بعد ذلك، وأما أمر عثمان بن عفان فأنت تعلم يا معاوية أنه قد أعيى من شهده فكيف من غاب عنه! وهذا كتاب علي رضي الله عنه إليك.
قال: فأخذ معاوية الكتاب فقرأه حتى أتى على آخره، ثم أقبل على جرير فقال: أبا عمر! انظر في ذلك وتنتظر أنت أيضا واستطلع رأي أهل الشام.
قال: فأخرج جرير كتاب مسكين بن حنظلة فدفعه إليه، فإذا فيه أبيات من الشعر مطلعها:
معاوي بايع قد أتاك جرير * وما لجرير بالعراق نظير إلى آخرها.
قال: فلما قرأ معاوية هذا الكتاب غضب لذلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: