واقبضني إليك، يا رب! إنك على كل شيء قدير، قال: ثم إنه حمل على أهل تستر، فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ثم وقف في ميدان الحرب، قال: ثم حمل ثانية على أهل تستر، فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه.
قال: واشتبك الحرب بين الفريقين فاقتتلوا ساعة من النهار، وحمل رجل من الفرس يقال له مراد شاه في زهاء ألف فارس من أبطال الفرس على ميسرة أهل الكوفة وفيهم يومئذ بنو بكر بن وائل وجماعة من كندة، قال: وانكشف الكوفيون بين يدي الفرس كشفة أطمعوهم في أنفسهم، ثم رجعوا عليهم فطردوهم بين أيديهم طردا وكدوهم بحملتهم عليهم كدا وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، قال: ثم وقعت الهزيمة على أهل تستر، فانهزموا والسيف يأخذهم حتى دخلوا مدينتهم.
فلما كان من غد عبى أبو موسى أصحابه كما عبأهم بالأمس ثم زحف بهم نحو باب تستر، قال: وخرج الهرمزدان صاحب تستر إلى قتال المسلمين وقد عبى أصحابه تعبية خلاف تعبيته بالأمس، وعلى ميمنته رجل من قواد يزدجرد يقال له مهريار في نيف من عشرة آلاف من الأساورة وعلى ميسرته رجل من الري يقال له شيرواهات في أربعة آلاف من الفرس، وبين يديه ملك من ملك الأهواز يقال له خرشيد بن بهرام في نيف عن عشرة آلاف فارس، ما يبين منهم شيء سوى حوافر الخيل من كثرة السلاح والتجافيف، والهرمزدان يومئذ في القلب في جماهير الأعاجم، عليه جوشن مذهب وبيضة مذهبة وسيف محلى بالذهب، وقد التحف بدرقة مذهبة وفي يده طبرزين مذهب، وكل ذلك مما أتحفه به يزدجرد حين قاتل معه يوم جلولاء.
قال: ونظر أبو موسى الأشعري إلى جمع الهرمزدان وتعبيته وزينته فنادى بأعلى صوته: يا أهل الإسلام! ويا حملة القرآن! ويا أهل المعرفة والايمان! لا يغرنكم هذه الجيوش ولا تهابوا هذه التعبية، فهي كالجيوش والتعبية التي قد لقيتموها في كل موطن، ووالله! ما أحد يشك في كفر هؤلاء القوم وقتالهم إلا أدخله الله مدخلهم.
قال: وجعل أبو موسى يسير بين الصفين فيسوي أصحابه ويقف على شرذمة شرذمة فيوصيهم بالصبر ويعدهم النصر والظفر.