تتولوهم " مضافا إلى مفهوم الآية السابقة، وما عساه يشعر به الوصل في تلك النصوص، باعتبار ظهوره في أن أقصى أفراد الجواز اليهودي والنصراني، ولو كان الحربي جايزا لكان أولى بالذكر، ولأن الحربي غير قابل للملك، لأنه وما معه ملك للمسلم، ولأنه لو صحت لوجب تنفيذها وهو مناف لما دل على أخذ المال من الحربي.
لكن قد يناقش بمنع كون الوصية التي هي عطية بعد الموت مقابلة للهبة التي هي عطية حال الحياة مودة وتولية وبرا لأن الأغراض الداعية إلى ذلك كثيرة، فإنه يمكن أن يكون مكافاة وتأليفا لهم، وغير ذلك مما لا يندرج سببه في الآيتين اللتين يمكن دعوى كون المنساق منهما المنع من ذلك، من حيث المحادة لله، والقتال للمسلمين، وعدم الرغبة في الدين، لا من غير هذه الحيثية، وإلا لمنعت الهبة لهم، ولغيرهم، كل ذلك مع أنه يمكن منع اقتضاء ذلك عدم الفساد للعقد، وإن أثم بالمودة التي تترتب عليها الوصية والهبة وليس ذلك من الوصية بالمحرم حتى لو قلنا بحرمة الايصاء عليه والوصل مثلا والوصل المزبور إنما تضمن اليهود والنصراني، وهو أعم من الذمي والحربي، ودعوى انسياق الأول منهما - ولذا يقابل بالحربي - محل منع، فإن غالب أهل الحرب سابقا ولاحقا النصارى والمقابلة إنما هي بين الذمي والحربي لا بين النصراني مثلا والحربي، بل لا يبعد دعوى ظهور العبارة في إرادة بيان عدم فرد آخر أشر من ذلك، نحو قوله (1) فيمن ترك الحج " إن شاء يموت يهوديا أو نصرانيا " فهو حينئذ دل على التعميم لا على خلافه، مؤيدا ذلك بما دل على صحة وصية المجوسي للفقراء، وأنها تنصرف إلى فقراء نحلته، مع أنه مكلف بالفروع، ودعوى عدم قابلية الحربي للملك واضحة المنع، وإن ورد أنهم ومالهم فئ للمسلمين، بمعنى إباحة ذلك للمسلمين، لا أنهم تجري أحكام المماليك حقيقة عليهم.
والمراد بتنفيذ الوصية الحكم بكونها للموصى له فلا ينافي ثبوت استحقاق على الموصى له بمقاصة ونحوها، ومنه ما نحن فيه، إذ لا منافاة بين صيرورة المال له بحسب الوصية وبين جواز أخذ المسلم له بعد ذلك.