نعم قد أمرنا باقرار أهل الذمة منهم على ما عندهم من الأحكام، وليس ذلك حكما بالصحة، وبه يجمع بين من أطلق البطلان كالماتن ونحوه، وبين من خص ذلك بما إذا كان الموصي مسلما، والأمر سهل.
(و) كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أن (الوصية عقد جائز من طرف الموصي) فله الرجوع بها حينئذ (ما دام حيا، سواء كانت بمال أو ولاية) بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه مستفيضة أو متواترة.
لكن اطلاق العقد عليها بناء على اعتبار الموت في صحة قبولها نوع مسامحة، إذ هي ما دام حيا ليست إلا إيجابا، أما بناء على صحته منه في الحياة ووقع منه فصدق العقد عليها حينئذ حقيقة، ولعل ذلك هو المراد للمصنف، ويستفاد.
حكم الايجاب وحده حينئذ بطريق أولى، وإن كان قد عرفت فيما تقدم الاشكال في كونها من العقود المتعارفة من غير هذه الجهة، فلاحظ وتأمل.
وخص الموصي مع أن حكم الجواز مشترك بينهما في الجملة، لبيان أنها بالنسبة إليه لا تكون إلا جايزة، سواء حصل لها قبول أو لا، بخلافها بالنسبة إلى الموصى له، فإنها قد تكون جائزة كما في حال الحياة حصل منه قبول أو لا، وبعد الوفاة قبل القبول أو بعده قبل القبض، بناء على اعتباره في الملك، ولازمه بعد الوفاة والقبول والقبض، أو الأولين فقط بناء على عدم اعتبار القبض في الصحة واللزوم، كما هو الأصح على ما عرفته سابقا والله هو العالم.
(ويتحقق الرجوع) من الموصي (بالتصريح) به لفظا بلا خلاف نحو رجعت أو نقضت، أو فسخت، أو لا تعطوه ما أوصيت به له، أو بما يفيده ظاهرا أيضا نحو: هذا لوارثي، أو ميراث عني أو حرام على الموصى له، أو نحو ذلك مما يستلزم بطلان الأولى.
خلافا لبعض الشافعية، فلم يبطلها بالمثال الأول، قياسا على عدم البطلان فيما لو أوصى بعين لزيد ثم بها لعمرو، بل يشتركان فيها.
وفيه: مع بطلان القياس منع الحكم في المقيس عليه، ضرورة التضاد بينهما لامتناع حصول الملك لكل منهما، والطارية رافعة لحكم الأولى عرفا بل شرعا، لأن العمل