عن ذلك كله فلا أقل من الشك، والأصل اللزوم، ولو لاستصحاب الملك وقوله (1) " أوفوا بالعقود " ودعوى أن الهبة من العقود الجائزة، وإن اعتراها اللزوم في بعض أفرادها ليس بأولى من القول بأنها من العقود اللازمة، وإن اعتراها الجواز في بعض أفرادها بل هذا أولى، لأن العقد اللازم قد يعتريه الجواز حتى البيع الذي فيه خيار المجلس، والعيب، والغبن، وغيرها، وأما العقد الجائز فلزومه إنما يكون بأمر خارجي كشرط ونحوه على أنه قد ذكروا في غير مقام الاجماع على انفساخ العقد الجائز بالجنون والاغماء والموت ومن المعلوم هنا خلافه، وذلك كله دليل على أن الهبة من العقد اللازم، وإن اعتراها الجواز في بعض أفرادها بل قد يقال: إنه وإن اختلف اطلاق النصوص في ذلك باعتبار اطلاق الرجوع في بعضها، وعدمه في آخر، بل ربما كان دلالة بعضها على الجواز أظهر، لذكر الفرد اللازم على جهة الاستثناء، إلا أن الأصل في العقد اللزوم، للاستصحاب بل والآية (2) فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام أيضا والله العالم.
النظر (الثاني: في حكم الهبات) (وهي مسائل:
الأولى: لو وهب فأقبض ثم باع) مثلا (من آخر فإن كان الموهوب له رحما، لم يصح البيع) على وجه يترقب عليه أثره، بل يكون فضولا، (وكذا إن كان أجنبيا وقد عوض) أو نحو ذلك مما تكون الهبة به لازمة، ضرورة وقوع البيع حينئذ على مال الغير، (أما لو كان أجنبيا ولم يعوض) فلا اشكال في زوال ملك المتهب، بل في المسالك، وعن ظاهر المحكي عن التذكرة الاتفاق عليه.
وإنما الكلام في صحة البيع وفساده، وإليه أشار المصنف بقوله (قيل:) والقائل الشيخ والقاضي ويحيى بن سعيد على ما حكى عنهم (يبطل) البيع (لأنه باع ما لا يملك) ولأن الشئ الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد، ولذا كان المصلي يخرج بتكبيرة الاحرام الثانية من الصلاة، ولا يدخل بها فيها، ولأن البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ، المتأخر عن البيع، باعتبار كونه سببا فيه، والسبب متقدم على المسبب، فلو