مقام بيان أصالة الفسق - تحصل الواسطة بين العدالة والفسق في الواقع ونفس الأمر قطعا، لأن من كان في قرية لا تحصل فيها الخمر، وكان تاركا لشربها، وعلمنا أو ظننا أنه إن وجدها يشربها، ليس عادلا إجماعا، ولا فاسقا على هذا، لعدم ارتكابه للشرب بالفعل.
والحاصل: أن الاجتناب الغير المسبب عن الصفة النفسانية لا يكون عدالة ولا فسقا.
وإن كان المراد الثاني، كما هو ظاهر كل من عرف العدالة بالملكة، إذ لا يصح جعل مقابل الملكة وضدها الفعل، وإن لم تكن واسطة بين الصفتين واقعا ولكن تتحقق الواسطة بينهما بحيث علمتا قطعا، إذ تكون حينئذ نسبتهما إلى الأصل على السواء، فليس كل من لم يعلم اتصافه بأحدهما متصفا بالأخرى شرعا حتى تنتفي الواسطة، بل يمكن أن يعلم أن فلانا عادل أو فاسق شرعا، فتتحقق الواسطة في العلم.
فإن قيل: العدالة - على ما ذكرت - هي الصفة الباعثة على اجتناب المحارم من حيث بعثها عليه، أو الاجتناب المنبعث عن الصفة النفسانية، ومآلهما واحد، فضدها عدم ذلك - أي ما لم يكن كذلك - بأن لا يكون مجتنبا، أو كان ولم يكن اجتنابا منبعثا عن صفة النفس، فأيهما يكون يحصل الفسق وتنتفي الواسطة.
قلنا: الاجتناب الغير المنبعث عن الصفة النفسية على قسمين:
لأنه إما تكون معه صفة باعثة على الارتكاب، ولكن تمنعه الموانع الخارجية.
أو لا يكون كذلك، بل تكون النفس خالية عن الصفتين، الباعثة على الاجتناب عنه من حيث إنه من محارم الله، والباعثة على الارتكاب، وكثيرا