ما يتحقق ذلك في حق من لم يتصور نوعا من المعصية ولم يلتفت إليه، كمن نشأ في موضع لم تذكر فيه الخمر وشربها، والشطرنج والنرد واللعب بهما، والغناء وسماعه، ونحو ذلك.
ولا نسلم أن المجتنب - الذي كان من القسم الأخير - يكون فاسقا، بل لعله ليس كذلك إجماعا، ولا يكون عادلا أيضا، لانتفاء الملكة الباعثة.
نعم، لو جعلت العدالة مجرد الاجتناب والآثار الظاهرية - سواء كانت مستندة إلى صفة حسنة أو لا، والفسق مجرد الارتكاب - تنتفي الواسطة بينهما، ولكنه غير صحيح البتة، وكذا لا واسطة بين ملكة العدالة - بالمعنى المعروف عند أهل الحكمة النظرية وعلماء الأخلاق - وبين ضدها، الذي هو الجور والميل.
ج: اعلم أن الناظر في كلام الأصوليين والفقهاء يرى وقوع الخلاف بينهم في أصالة العدالة أو الفسق، فمنهم من يقول بأصالة العدالة، كما سمعت من كلام شيخ الطائفة في الخلاف (1)، ومراد القائل أنها الأصل في المسلم بمقتضى الأدلة الشرعية.
ومنهم من يقول بأصالة الفسق، نظرا إلى توقف العدالة على أمور وجودية حادثة علما وعملا، وعليه جريت في كتاب أساس الأحكام.
ومنهم من يقول: بتساويهما بالنسبة إلى الأصل، إما لكون كل منهما ملكة حادثة، أو لتوقف كل منهما على أمور حادثة، وعليه جريت في كتاب مناهج الأحكام، وبينت الوجه فيه.
والتحقيق: أن الكلام إما فيمن يجتنب عما يشترط في انتفاء الفسق