ولكن ذلك التردد غير ضائر في ترتب الثمرة في هذا المقام، لأنه لو جعل الشارع أو غيره وجود شئ مناطا لحكم من الأحكام - ولذلك احتجنا إلى معرفة ذلك الشئ والعلم بحقيقته لنحكم عند وجوده بترتب الحكم وعند عدمه بعدمه - فكما يفيدنا العلم بحقيقة ذلك الشئ كذلك تفيدنا معرفة علائمه ولوازمه المساوية، وكل واحد من هاتين المعرفتين يغنينا عن الأخرى، لأن مفاد الحكم هو العلم بوجود هذا الشئ، وهو كما يحصل بمعرفة ذلك الشئ نفسه، كذلك يحصل بالعلم بوجود ما لا ينفك ذلك الشئ عنه..
فمراد الشارع من العدالة - على هذا - وإن لم يكن متعينا عندنا ولكن بين لنا أمورا، أو حكم بعدم انفكاك العدالة عنها، سواء كان عدم الانفكاك لأجل أن تلك الأمور أجزاء لها أو لجهة أخرى، وهذا القدر يكفينا في الأحكام.
فإن قيل: ربما يتخلف العلم بوجود هذه الآثار عن العلم بوجود الملكة، كما إذا رأينا شخصا في مدة قليلة - كشهر أو شهرين أو ثلاثة - كانت جوارحه مجتنبة عن الكبائر، فإنه يعلم وجود الآثار دون الملكة، سيما إذا كان اجتنابه عن البعض لعدم المقتضي أو وجود المانع، كالعنين الذي يجتنب عن الزنا واللواط، والأخرس أو الأصم أو الأعمى بالنسبة إلى معاصي هذه الجوارح، أو عدم حياة والديه بالنسبة إلى العقوق وعدمه، وكمن كان في موضع لم يتمكن فيه من آلات بعض المعاصي..
بل ربما يتخلف عن الملكة أيضا، كالصبي المعترف فيما يحرم على الرجال إذا بلغ واجتنب المعاصي بعده، ورأيناه كذلك في شهر أو شهرين، وربما يعلم أنه يحمل نفسه على ترك المعاصي بالمشقة الشديدة، وربما