لأن غايته تخصيص عموم العلة، وهو لا يخرجه عن الحجية في غير موضع التخصيص.
ومنها: الحداء - وهو سوق الإبل بالغناء - واشتهر فيه الاستثناء، وتوقف فيه جماعة (1)، بل صرح جمع بعدم الحلية (2)، لعدم العثور على دليل عليها، سوى نبوي عامي (3) لا يصلح للحجية، وهو كذلك، إلا أن الأصل وعدم ثبوت الحرمة كلية يكفي للحلية.
ومنها: الغناء في مراثي الحسين (عليه السلام) وغيره من الحجج وأصحابهم، للأصل المذكور المعتمد، ولأنه معين على البكاء، فهو إعانة على البر.
فإن قيل: كون الغناء معينا على البكاء ممنوع، وإن سلم إعانة الصوت عليه ولكنه غير الغناء.
ولو سلم فكونه معينا على البكاء على شخص معين غير مسلم، فإنه إنما يكون باعتبار تذكر أحواله، ولا دخل للغناء فيه.
ولو سلم فعموم رجحان الإعانة على البر ولو بالحرام غير ثابت.
ولو سلم فتعارض أدلته أدلة حرمة الغناء، والترجيح للثانية، لأظهرية العموم أو الأكثرية، أو لأجل ترجيح الحرمة على الجواز مع التعارض.
قلنا: أما منع كون الغناء معينا فيخالف الوجدان، لأن من البين أن لنفس الترجيع أيضا أثرا في القلب، كما يدل عليه ما في كلماتهم من توصيف الترجيع بالطرب، مع تفسيرهم للإطراب بما يشمل الأحزان أيضا، فإن حزن القلب من معدات البكاء، مع أنه لو قيل: إن الغناء هو الصوت