* لان الله تعالى أثنى عليهم في غير موضع من كتابه كما قال تعالى: * (محمد رسول الله والذين معه) * الآية، ورسول الله (ص) وصفهم بأنهم خير الناس فقال: خير الناس قرني الذين أنا فيهم والشريعة إنما بلغتنا بنقلهم، فمن طعن فيهم فهو ملحد منابذ للاسلام دواؤه السيف إن لم يتب.
ومن قال منهم إن القول بالرأي كان من الصحابة على طريق التوسط والصلح دون إلزام الحكم فهو مكابر جاحد لما هو معلوم ضرورة، لان الذين نقلوا إلينا ما احتجوا به من الرأي في الاحكام قوم عالمون عارفون بالفرق بين القضاء والصلح فلا يظن بهم أنهم أطلقوا لفظ القضاء فيما كان طريقه طريق الصلح بأن لم يعرفوا الفرق بينهما أو قصدوا التلبيس، ولا ينكر أنه كان في ذلك ما هو بطريق الصلح، كما قال ابن مسعود حين تحاكم إليه الاعرابي مع عثمان: أرى أن يأتي هذا واديه فيعطي به ثم إبلا مثل إبله وفصلانا مثل فصلانه. فرضي بذلك عثمان.
وفي قوله فرضي به، بيان أن هذا كان بطريق الصلح، فعرفنا أن فيما لم يذكر مثل هذا اللفظ أو ذكر لفظ القضاء والحكم فالمراد به الالزام، وقد كان بعض ذلك على سبيل الفتوى، والمفتي في زماننا يبين الحكم للمستفتي ولا يدعوه إلى الصلح إلا نادرا، فكذلك في ذلك الوقت، وقد كان بعض ذلك بيانا فيما لم يكن فيه خصومة أولا تجري فيه الخصومة كالعبادات والطلاق والعتاق، نحو اختلافهم في ألفاظ الكنايات، واعتبار عدد الطلاق بالرجال والنساء وما أشبه ذلك، فعرفنا أن قول من قال لم يكن ذلك منهم إلا بطريق الصلح والتوسط، منكر من القول وزور.
ومنهم من قال: كانوا مخصوصين بجواز العمل والفتوى بالرأي كرامة لهم، كما كان رسول الله مخصوصا بأن قوله موجب للعلم قطعا، ألا ترى أنه قد ظهر منهم العمل فيما فيه نص بخلاف النص بالرأي وبالاتفاق ذلك غير جائز لأحد بعدهم، فعرفنا أنهم كانوا مخصوصين بذلك. وبيان هذا فيما روي أن رسول الله (ص) خرج لصلح بين الأنصار فأذن بلال وأقام فتقدم أبو بكر رضي الله عنه للصلاة، فجاء رسول الله وهو في الصلاة - الحديث، إلى أن قال: