لتحقيق معنى انشراح الصدر وطمأنينة القلب الثابت بقوله تعالى: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) *.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا وعندكم القياس لا يوجب العلم والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب؟ قلنا: نعم ولكن يحصل له بالاجتهاد العلم من طريق الظاهر على وجه يطمئن قلبه وإن كان لا يدرك ما هو الحق باجتهاده لا محالة، فهو نظير قوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) * فإن المراد به العلم من حيث الظاهر.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا وأكثر المشروعات بخلاف المعهود المعتاد بين الناس؟ قلنا: نعم هو بخلاف المعهود المعتاد عند اتباع هوى النفس وإشارتها، وأما إذا ترك ذلك ورجع إلى ما ينبغي للعاقل أن يرجع إليه فإنه يكون ذلك موافقا لما هو المعهود المعتاد عند العقلاء، فباعتبار هذا التأمل يحصل البيان على وجه يطمئن القلب إليه في الانتهاء، واعتقاد الحقية في النصوص فرض حق، وطلب طمأنينة القلب فيه حسن كما أخبر الله تعالى عن الخليل صلوات الله عليه: * (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) *.
ومنها قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * فقد بينا أن المراد به القياس الصحيح، والرجوع إليه عند المنازعة، وفيه بيان أن الرجوع إليه يكون بأمر الله وأمر الرسول. ولا يجوز أن يقال المراد هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، لأنه علق ذلك بالمنازعة، والامر بالعمل بالكتاب والسنة غير متعلق بشرط المنازعة، ولان المنازعة بين المؤمنين في أحكام الشرع قلما تقع فيما فيه نص من كتاب أو سنة، فعرفنا أن المراد به المنازعة فيما ليس في عينه نص، وأن المراد هو الامر بالرد إلى الكتاب والسنة بطريق التأمل فيما هو مثل ذلك الشئ من المنصوص، وإنما تعرف هذه المماثلة بإعمال الرأي وطلب المعنى فيه.
ثم الاخبار عن رسول الله (ص) وعن الصحابة في هذا الباب أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تخفى.