الثابت بوضع واضع اللغة، ثم التأمل في ذلك للوقوف على طريق الاستعارة حتى يجعل ذلك اللفظ مستعارا في محل آخر بطريقه، جائز مستقيم من عمل الراسخين في العلم، فكذلك التأمل في معاني النص لاثبات حكم النص في كل موضع علم أنه مثل المنصوص عليه، وهذا لنوعين من الكلام:
أحدهما أن الله تعالى نص على أن القرآن تبيان لكل شئ بقوله تعالى:
* (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * ولا يتمكن أحد من أن يقول كل شئ في القرآن باسمه الموضوع له في اللغة، فعرفنا أنه تبيان لكل شئ بمعناه الذي يستدرك به حكمه، وما ثبت بالنص فإما أن يقال هو ثابت بصورة النص لا غير، أو بالمعنى الذي صار معلوما بإشارة النص، والأول باطل، فإن الله تعالى قال:
* (فلا تقل لهما أف) * ثم أحد لا يقول إن هذا نهي عن صورة التأفيف دون الشتم والضرب. وكذلك قوله تعالى: * (ولا يظلمون نقيرا) * وقوله تعالى:
* (من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار) * فعرفنا أن ثبوت الحكم باعتبار المعنى الذي وقعت الإشارة إليه في النص. ثم ذلك المعنى نوعان:
جلي، وخفي، ويوقف على الجلي باعتبار الظاهر، ولا يوقف على الخفي إلا بزيادة التأمل وهو المراد بقوله: * (فاعتبروا) * وبعدما ثبت لزوم اعتبار ذلك المعنى بالنص وإثبات الحكم في كل محل قد وجد فيه ذلك المعنى يكون إثباتا بالنص لا بالرأي وإن لم يكن صيغة النص متناولا، إلا ترى أن الحكم بالرجم على ماعز لم يكن حكما على غيره باعتبار صورته ولكن باعتبار المعنى الذي لأجله توجه الحكم عليه بالرجم كان ذلك بيانا في حق سائر الاشخاص بالنص. والثاني أنه ما من حادثة إلا وفيها حكم لله تعالى من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو إسقاط، ومعلوم أن كل حادثة لا يوجد فيها نص، فالنصوص معدودة متناهية ولا نهاية لما يقع من الحوادث إلى قيام الساعة، وفي تسميته حادثة إشارة إلى أنه لا نص فيها، فإن ما فيه النص يكون أصلا معهودا. وكذلك الصحابة ما اشتغلوا باعتماد نص في كل حادثة (طلبا أو رواية، فعرفنا أنه لا يوجد نص في كل حادثة)