دنياكم بمن رضي به رسول الله لأمر دينكم. يعني الإمامة للصلاة، واتفقوا على رأيه، وأمر الخلافة من أهم ما يترتب عليه أحكام الشرع، وقد اتفقوا على جواز العمل فيه بطريق القياس، ولا معنى لقول من يقول إن كان هذا قياسا فهو منتقض، فإن رسول الله (ص) قد استخلف عبد الرحمن بن عوف ليصلي بالناس ولم يكن ذلك دليل كونه خليفة بعده، وذلك لان عمر رضي الله عنه أشار إلى الاستدلال على وجه لا يرد هذا النقض وهو أنه في حال توفر الصحابة وحضور جماعتهم ووقوع الحاجة إلى الاستخلاف، خص أبا بكر بأن يصلي بالناس بعدما راجعوه في ذلك وسموا له غيره، كل هذا قد صار معلوما بإشارة كلامه وإن لم ينص عليه، ولم يوجد ذلك في حق عبد الرحمن ولا في حق غيره. ثم عمر جعل الامر شورى بعده بين ستة نفر، فاتفقوا بالرأي على أن يجعلوا الامر في التعيين إلى عبد الرحمن بعدما أخرج نفسه منها فعرض على علي أن يعمل برأي أبى بكر وعمر فقال:
أعمل بكتاب الله، وبسنة رسول الله، ثم أجتهد رأيي، وعرض على عثمان هذا الشرط أيضا فرضي به فقلده، وإنما كان ذلك منه عملا بالرأي لأنه علم أن الناس قد استحسنوا سيرة العمرين، فتبين بهذا أن العمل بالرأي كان مشهورا متفقا عليه بين الصحابة، ثم محاجتهم بالرأي في المسائل لا تخفى على أحد، فإنهم تكلموا في مسألة الجد مع الاخوة، وشبهه بعضهم بواد يتشعب منه نهر، وبعضهم بشجرة تنبت غصنا، وقد بينا ذلك في فروع الفقه. وكذلك اختلفوا في العول وفي التشريك فقال كل واحد منهم فيه بالرأي، وبالرأي اعترضوا على قول عمر رضي الله عنه في عدم التشريك حين قالوا: هب أن أبانا كان حمارا، حتى رجع عمر إلى التشريك، فعرفنا أنهم كانوا مجمعين على جواز العمل بالرأي فيما لا نص فيه، وكفى بإجماعهم حجة.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا وقد قال أبو بكر رضي الله عنه: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى برأيي. وقال عمر رضي الله عنه:
إياكم وأصحاب الرأي. وقال علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إياكم وأرأيت