وجهيه مبني على الخلط. ففي الوجه الأول خلط بين عنوان السببية وذات السبب. وفي الثاني خلط بين مقام المصلحة ومقام الجعل والتشريع (1).
والتحقيق: ان كلتا المناقشتين غير واردتين:
اما مناقشة الوجه الأول، فيدفعها: ان السببية على نحوين:
أحدهما: السببية الشأنية، وهي عبارة عن كون الشئ مؤثرا في وجود المسبب لو انضمت إليه الشرائط، فهي عبارة عن قضية شرطية.
والاخر: السببية الفعلية، وهي عبارة عن تأثير السبب في وجود المسبب فعلا.
وعليه، فحين يقال: ان النار سبب للاحراق، تارة: يراد به بيان قابلية النار للتأثير وانها ذات خصوصية واقعية مستلزمة للحرقة عند اجتماع سائر الشرائط من المماسة ويبوسة المحل، وهذا العنوان يصح اطلاقه على النار ولو لم يكن للنار ولا للحرقة وجود. وأخرى: يراد به بيان ترتب الاحراق فعلا على النار، وهذا هو معنى السببية الفعلية.
وقد اتضح بهذا البيان: ان السببية المنتزعة عن وجود المسبب خارجا هي السببية الفعلية. اما السببية الشأنية، فهي في مرحلة سابقة على وجود المسبب، وهي تنتزع عن الخصوصية الواقعية الموجودة في السبب التي بها يؤثر في المسبب عند حصول شرائط التأثير، فإنه لولا تلك الخصوصية لا يقال عنه انه سبب لعدم قابليته للتأثير.
وهذا البيان بنفسه يتأتى في سبب التكليف، فان السببية المقصودة تارة يراد بها السببية الشأنية. وأخرى السببية الفعلية. وما ينتزع عن التكليف الفعلي هو السببية الفعلية دون السببية الشأنية، فإنها في مرحلة سابقة على التكليف،